في عالم العلاقات، من السهل أن نقع في فخ السؤال: "من على حق؟ ومن المخطئ؟"، لكن المعالج الأسري الشهير تيري ريال، الذي تعد مؤلفاته مرجعًا في مجال العلاقات الزوجية، يقدم لنا منظورًا مختلفًا وجريئًا: "من يهتم بمن على حق؟!".
هذا السؤال ليس تقليلًا من شأن الحقيقة، بل دعوة لتجاوز المعارك الصغيرة والبحث عما هو أعمق: الارتباط والفهم والنية في الإصلاح.
الحب يعني الالتقاء في المنتصف
من وجهة نظر ريال، فإن الإصرار على الفوز في الجدال قد يشعرك بالانتصار مؤقتًا، لكن ثمنه غالبًا ما يكون باهظًا، مثل خسارة الشعور بالأمان العاطفي لدى الطرف الآخر؛ لأن "الانتصار في النقاش" لا يساوي شيئًا إذا أدى إلى كسر العلاقة.
ويؤكد الخبير أن بداية الإصلاح تبدأ عندما يملك أحد الطرفين الشجاعة ليقول: "أنا أتحمل جزءًا من الخطأ"، حتى وإن كان صغيرًا، هذه الخطوة وحدها كافية لفتح الباب أمام الشفاء الحقيقي.
من الطفولة إلى العلاقات... من هو الطفل المتكيف بداخلك؟
يشرح ريال أن كثيرًا من ردود أفعالنا في العلاقات لا تأتي من "نضجنا"، بل من جزء في داخلنا يعرف بـ"الطفل المتكيف"، ذلك الصوت الذي تعلّم كيف ينجو في الطفولة، لكنه لا يجيد بناء علاقة صحية في الحاضر.
في المقابل، يدعونا ريال لاستدعاء "الراشد الحكيم" في داخلنا، ذلك الجزء الذي يستطيع أن يصغي من دون دفاع، ويتحمل المسؤولية من دون خجل ويختار التواصل بدلًا من السيطرة.
هل تخيلتِ أن الاعتذار البسيط قد يغير كل شيء؟
مثال واقعي: تخيلي أن "سارة" شعرت بالخذلان لأن "عاطف" نسي عيد ميلادها، بينما عاطف كان مترددًا من قبل؛ لأن محاولاته السابقة لم تُقدر، وبدلًا من الدخول في جدال تخبره سارة: "أدرك أنني أضع توقعات كبيرة، وسأحاول أن أقدر ما تقوم به".
فيرد عاطف قائلًا: "أعلم أنني لم أخطط جيدًا لعيد ميلادك وكان يجب أن أبذل مجهودًا أكبر، أنا آسف".
في لحظة واحدة، انتقلا من معركة إلى تفاهم، ومن لوم إلى مشاركة، ومن الصراع إلى الشراكة... وهذه هي المعادلة الجديدة.
من الصراع إلى الشراكة
حين يتوقف الشريكان عن محاربة بعضهما بعضًا، ويبدأان في محاربة المشكلة معًا، تتحول العلاقة من ساحة صراع إلى مساحة شراكة.
هنا، لا تعود المساءلة تعني الإدانة، بل تتحول إلى خطوة نحو النضج والحميمية.
لذا تذكري دائمًا أن الرسالة الأهم هنا هي أن تكوني مرآة الشفاء... وليس السلاح.
العلاقات لا تقوم على من يفوز، بل على من يجرؤ على أن يكون ضعيفًا بصدق، ومن يسعى للفهم قبل الإقناع، ومن يضع "نحن" قبل "أنا".
الحب الحقيقي يبدأ عندما نتوقف عن البحث عن الخطأ، ونبدأ في رؤية الآخر بعين الرحمة والنية في النمو معًا.
