في العلاقات العاطفية طويلة الأمد، نحلم أن ننمو جنبًا إلى جنب، ونتغير معًا، ونكتشف الحياة كتفًا إلى كتف.
لكن، ماذا يحدث عندما لا يحدث هذا النمو بالتوازي؟ ماذا لو بدأ أحد الشريكين يتغير، ويتطور، ويعيد تعريف نفسه، بينما يبقى الآخر ثابتًا في مكانه؟
هنا تبدأ قصة التنافر الهويّاتي، ليس نتيجة صراع صريح، بل بسبب اختلاف داخلي عميق في القيم والرؤية والنظرة إلى الذات والعالم.
التنافر الهويّاتي لا يعني أن أحد الطرفين أصبح "أفضل" من الآخر، بل أنه أصبح "مختلفًا"، هذا التغيّر قد يكون نفسيًا، أو فكريًا، أو روحيًا، أو حتى سلوكيًا. وغالبًا لا يُفصح عنه مباشرة، لكنه يُحدث توترًا خافتًا يتسلل إلى نسيج العلاقة بهدوء.
قد يبدأ أحد الشريكين في حضور جلسات علاج نفسي، أو القراءة في مجالات جديدة، أو إعادة النظر في أولوياته وقيمه، وقد لا يدرك الطرف الآخر ذلك مباشرة، لكنه يشعر به.
المحادثات تقلّ، والاهتمامات المشتركة تتآكل، ويبدأ سؤال صامت بالتكوّن: هل ما زلنا ننمو في الاتجاه ذاته؟
هذا التحول لا يكون دائمًا أزمة علنية، بل غالبًا ما يتسلل بصمت، يشعر الطرف المتغير بنوع من الذنب، وكأنه يبتعد عن الشريك من دون أن يقصد.
ويشعر الآخر بأنه تُرك خلف الركب أو أنه يُحاكم بصمت، ولتفادي هذا الألم، يصمت الطرفان، فيتفاقم التباعد من دون مواجهة حقيقية.
لأنّه لا يوجد "سبب واضح" يُشار إليه، ليس هناك خيانة أو صراخ أو موقف درامي، بل مجرد شعور داخلي يتضخم تدريجيًا، ومن الصعب جدًا الاعتراف بأن "ما كنّا عليه" لم يعد يناسب "ما أصبحنا عليه".
إليك طرق للتعامل مع تنافر الهويات:
من المفيد أن يُفصح الطرف الذي يشعر بالتغيّر عن ذلك بصدق وهدوء، مثل قول:
"أشعر أنني أرى بعض الأمور بشكل مختلف مؤخرًا، وأرغب بمشاركتك ما أمرّ به".
بهذه الطريقة، يتم فتح باب الحوار من دون أن يبدو كاتهام أو مقارنة.
مشاركة الطرف الآخر بما تمرّ به، من أفكار وتجارب وكتب وبودكاستات، يمكن أن تخلق أرضية جديدة للتفاهم، ليست الغاية أن يتبنى شريكك كل قناعاتك الجديدة، بل أن يشعر بأنه لا يُقصى عن رحلتك.
الذهاب معًا إلى ورشة عمل، أو مشاهدة فيلم تحفيزي، أو خوض نقاشات فكرية، قد يُعيد الحيوية إلى العلاقة، ويحوّل النمو الفردي إلى تجربة ثنائية.
رغم كل المحاولات، أحيانًا تكون الحقيقة أن الطرفين أصبحا نسختين لا تتناسبان كما في السابق.
في هذه الحالة، الانفصال ليس فشلًا، بل تعبير عن صدق داخلي، واحترام متبادل، فالحب وحده لا يكفي دائمًا، والمضي قُدمًا كلٌ في طريقه قد يكون الطريق الأكثر رحمة للطرفين.
العلاقات الحقيقية لا تبقى كما هي، بل تتطلب تجديدًا دائمًا، وعندما ينمو أحد الشريكين، يمكن أن يكون ذلك فرصة لإعادة الوصل، لا سببًا للبعد.
ما يهم حقًا، هو الاستعداد لأن نرى بعضنا بعيون جديدة، وأن نتعرّف إلى من أصبحنا، وأن نعيد تأسيس علاقتنا من هذا المكان الجديد.