من الطبيعي أن تراودنا أفكار سلبية ونحن نحرز تقدما نحو تحقيق أهدافنا؛ كأن نقول لأنفسنا: "لست مناسباً لهذا الأمر" أو "لست جيداً بما يكفي".
فحتى القادة المخضرمون تساورهم هذه الأفكار من وقت إلى آخر، حيث تهاجمنا ذكريات الماضي أو تعليقات جارحة من أصحاب السلطة، فتسيطر على صوتنا الداخلي.
وعلى الرغم من أننا جميعنا نمتلك معتقدات تُقيِد ذواتنا، تلك الأفكار والتصورات التي نؤمن بها عن أنفسنا، وعن الآخرين، والعالم من حولنا.
إلا أن خطورتها تكمن في أنها تمنعنا من القيام بأمور نحن في الواقع قادرون على إنجازها.
هي تلك القناعات التي نعتقد أنها حقائق ثابتة، بينما هي في الحقيقة مجرد تصورات ناتجة عن تجارب سابقة أو نقد تلقيناه من الآخرين.
على سبيل المثال، قد تعتقد أنك شخص انطوائي، وبالتالي غير مؤهل للتقدم لوظيفة تتطلب التحدث أمام جمهور.
هذا الاعتقاد قد يمنعك من السعي وراء فرص تستحقها، رغم أنك قد تكون قادراً على التكيف والنجاح في مثل هذه المواقف.
إليك الخطوات الأساسية:
الأطباء النفسيون عادة ما يحددون 60 قيمة مثل: الحرية، العائلة، النزاهة، السلام العالمي، وغيرها.
ثم يطلبون تحديد أهم 5 قيم فقط، ورغم بساطة الطلب، إلا أن كثيرين يترددون، ويطرحون سؤالًا: "لمَ الاكتفاء بـ5 قيم فقط؟".
الإجابة: لأن التركيز على عدد كبير من القيم في الوقت ذاته يشتت الذهن ويُضعف القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة.
التمرين يكمن في اختيار الأهم بالنسبة إليك: الحرية أم العائلة؟ الصحة أم الثراء؟ الجماعة أم الاستقلالية؟ الانضباط أم الراحة؟ الشعبية أم التقاليد؟
القيم ليست مفاهيم نظرية فحسب، بل هي البوصلة التي توجه سلوكك اليومي وتشكل قاعدة لتدريبات التصوّر.
كلما ازدادت قدرتك على استحضار الحواس في مخيلتك، زادت فعالية الصور الذهنية التي تستدعيها.
نحن لا نعتمد فقط على الحواس الخمس التقليدية، بل نضيف إليها حاستين مهمتين: العاطفة والحركة.
تُظهر الدراسات أن الدماغ ينشط المناطق ذاتها سواء عند ممارسة فعل حقيقي أو عند تصوره ذهنياً.
مثال لتدريب السمع: أثناء روتينك اليومي كغسل الملابس أو التنقل إلى العمل، استمع إلى الموسيقى ثم أخفض الصوت تدريجياً حتى ينقطع تماماً.
بعد ذلك، حاول أن تستمع لما هو داخل رأسك، هذا التدريب يساعدك على الإنصات العميق، ليس فقط للأصوات الخارجية، بل أيضاً لأفكارك ومشاعرك الداخلية.
وعند تصور حدث مستقبلي، احرص على إشراك ثلاث حواس أو أكثر، كي يصبح المشهد واقعياً وحيوياً في ذهنك.
كثيراً ما نواجه مواقف تحتاج إلى قرارات شجاعة: هل أطرح هذه المشكلة أمام فريقي؟ هل أقبل هذا الدور القيادي؟ هل أشارك في سلسلة الخطابات الجديدة في الشركة؟
قرارات كهذه تتأثر بالحوار الداخلي والقيم والصور التي نتخيّل بها هذه السيناريوهات.
فمثلاً، إذا تهربت سابقاً من محادثة صعبة مع مديرك، فمن المحتمل أنك تخيلت ردة فعله سلبية، وربما رسمت سيناريو ينتهي بصدام أو رفض.
لكن ماذا لو تخيّلت شعور الراحة والارتياح بعد إجراء المحادثة؟ أو كيف سيؤثر صدقك في تعميق علاقتكما المهنية؟
كلما تخيلت ذاتك الواثقة وهي تتصرف بحكمة ووضوح، ازدادت فرصك لاتخاذ القرار الصائب.
والعكس صحيح: إن صورت ذاتك في مواقف محبطة، زادت احتمالات التراجع أو التقاعس.
أحياناً نحتاج إلى فاصل صغير بين الحدث وردة الفعل كي نسترجع وعي اللحظة ونختار الاستجابة المناسبة.
هذا الفاصل يمكن أن يكون إشارة أو "محفّزًا" تربطه بصورك الذهنية الإيجابية.
قد يكون هذا المحفز:
مثلاً، إذا قررت خوض محادثة صعبة ولكنك لا تزال متوتراً، درب نفسك مسبقاً على استحضار المحفز مع صورة ذهنية إيجابية للموقف.
حين تبدأ المحادثة ويشتد التوتر، نفذ المحفز؛ سيعيدك ذلك إلى الحالة الذهنية التي هيأت لها نفسك، ويساعدك على الثبات.
وتذكر أن المعتقدات الذاتية المُقيِّدة ليست حقائق، بل قصص نرويها لأنفسنا. بتحديدها وتحديها، نمنح أنفسنا الفرصة للنمو وتحقيق إمكاناتنا الكاملة.