يُعرَف الشخص الذي يُفرط في التفكير بأنه ذكي، دقيق، ويملك حسًا عاليًا بالمسؤولية، لكنه غالبًا دون قصد يحاصر نفسه في شبكة من التحليلات والتفاصيل والتساؤلات التي لا تنتهي؛ ما يعيقه عن اتخاذ القرار، أو بدء الخطوة الأولى، أو حتى الشعور بلذة التقدم.
والغريب؟ أن هذا الإفراط في التفكير، الذي ظاهره الحرص على النجاح، قد يصبح العائق الأكبر أمام تحقيقه.
كثيرو التفكير لا يتعطلون بسبب قلة المهارات، بل لأنهم يفكرون كثيرًا قبل البدء، وأثناء التنفيذ، وبعد الانتهاء. يخشون أن تكون خطوتهم الأولى ناقصة، فيؤجّلونها بانتظار الكمال. لكن في عالم الإنجاز، "الكمال" هو العدو الأول للتقدّم.
فما الحل؟ كيف يمكن لعقلٍ يميل للتحليل والتمحيص أن يتحرّك بمرونة، ويصل إلى أهدافه بثقة؟
الإجابة تكمن في: نظام “الخطوات المرحلية”.
حين تقسّم هدفك الكبير إلى مراحل صغيرة وواضحة، تصبح الصورة أبسط، وأقل إرباكًا. هذا لا يقلل من أهمية الهدف، بل يعطيه فرصة حقيقية ليتحوّل من فكرة في الرأس، إلى خطوات في الواقع.
تخيّلي أن عليكِ إنجاز مشروع يتطلب وقتًا وجهدًا. بدلًا من الانشغال بالتفاصيل المعقدة منذ البداية، قسّميه إلى 4 أو 5 مراحل، تكون كل منها بسيطة، واضحة، ويمكن تنفيذها خلال وقت قصير. هذا يجعل الإنجاز مرئيًا، ويمنحك شعورًا فوريًا بالنجاح، وهو ما يحتاجه الدماغ ليستمر.
المقصود هنا ليس أهدافًا لا تتحكمين بها، كأن تقولي "سأصل لـ100 ألف متابع". بل الخطوات التي يمكنك تنفيذها بنفسك، كأن تقولي:
كل مرحلة هي "نقطة عبور"، تؤكّد أنك تسيرين في الاتجاه الصحيح، وتمنحك دافعًا داخليًا للاستمرار.
لأنها تضع إطارًا لما يمكن فعله الآن، وتمنعك من التشتت خلف عشرات الاحتمالات. عوضًا عن الغرق في الأسئلة: هل هذه أفضل فكرة؟ ماذا لو لم تنجح؟ ماذا عن المنافسين؟
وكلما أنهيت مرحلة، تشعرين بالرضا. وكلما شعرتِ بالرضا، زاد حماسكِ للتقدّم. وهذا تمامًا ما يحتاجه كثيرو التفكير: نظام يُكافئهم على التنفيذ، لا على الإفراط في التحليل.
خذي عملًا اعتدتِ عليه (مثل إعداد مقال أو بوست) وحلّليه إلى مراحل بسيطة كما تفعلين الآن دون وعي.
اختاري مهمة تستغرق 30-60 دقيقة، واقسميها إلى 4 مراحل، تبدأ كل منها بما يمكن إنجازه خلال 5-10 دقائق فقط.
البساطة مفتاح الفعالية. كلما كانت المراحل أكثر وضوحًا وأقل عددًا، كان التنفيذ أسرع وأقل إرباكًا.
تذكّري:
كثيرو التفكير لا يحتاجون مزيدًا من التحليل، بل نظامًا يدفعهم للعمل. والمراحل هي هذا النظام:
تحدّ من التشتت.
تمنح شعورًا بالإنجاز.
وتساعد على التحرك بثقة، خطوة بعد خطوة.
النجاح لا يبدأ حين تكون خطتك مثالية، بل حين تتحرّكين نحوها، ولو بخطوة صغيرة.