header-banner
تطوير الذات

هل نحن فعلا أحرار في قراراتنا؟

تطوير الذات
إيمان بونقطة
17 يونيو 2025,9:00 ص

حين نُقبل على اتخاذ قرار مصيري، مثل: إنجاب طفل ثانٍ أو ثالث، قد نتصور أننا نختار بحرية تامة، مدفوعين برغباتنا وحدها.

لكن، ما مدى استقلالية هذه القرارات عن الضغوط الاجتماعية، والقيود المادية، وتوقعات الأسرة والمجتمع؟ وهل يمكن للإرادة الحرة أن تصمد فعلًا أمام هذا الكم من المؤثرات؟

في كتابه الجديد علم الإرادة الحرة، يناقش عالم النفس روي بوميستر نتائج دراسات سألت طلابًا جامعيين وبالغين عمَّ يعنيه امتلاك "إرادة حرة؟".

وجاءت الإجابات متقاربة: أن تكون قادرًا على اتخاذ قرار دون إكراه، وأن تفكر بالمستقبل عند الاختيار. هذا الربط بين الإرادة الحرة والتخطيط المستقبلي كان لافتًا، إذ اعتبره البعض جزءًا جوهريًّا من حرية اتخاذ القرار.

لكن عند تطبيق هذه الفكرة على قرار مثل إنجاب طفل، تتعقّد الصورة. فبينما يبدو القرار فرديًّا وشخصيًّا، تتدخل عوامل لا حصر لها: التقاليد العائلية، الوضع المالي، الفجوة العمرية بين الأطفال، وحتى التأثيرات الخفية لما يفعله أصدقاء الزوجين أو مجتمعهم.

الإرادة الحرة: ليست دائمًا حرة تمامًا

c38a157d-1382-497d-9fba-2b35247dad52

يشير بوميستر إلى أن الإرادة الحرة، بحسب التعريف العلمي، تعني القدرة على التصرف بشكل مختلف في الموقف ذاته.

هذا التعريف يفصل بين الأفعال التلقائية أو المفروضة، وبين تلك التي يُفترض أنها نابعة عن وعي وتخطيط.

فمثلًا، في حالات الحمل غير المخطط له نتيجة خلل في وسائل منع الحمل، تغيب الإرادة الحرة، أو تقتصر على القرار الأولي بدخول العلاقة.

أما في حالة تبنّي طفل أو التخطيط الواعي للإنجاب، فتكون الحرية أوضح، إذ تعتمد على قرار مدروس وواعٍ.

عندما تتصارع الإرادة مع الواقع

يرى بوميستر أن الإرادة الحرة لا تعني تجاهل الظروف، بل العكس تمامًا: أن نُحسن قراءة محيطنا، ونفهم تأثيراته، ثم نقرر بما يتماشى مع قيمنا وظروفنا. فالتحكم في الإنجاب مثلًا، هو إنجاز ثقافي يتيح للفرد التفكير بحرية في مسألة الإنجاب، في وقت لم تكن فيه الأجيال السابقة تملك هذا الخيار.

ويتحدث عن مثال حيّ لزوجين يتأملان إنجاب طفل ثالث، إذ قارن أحد الوالدين الوضع بخطط اللعب في الرياضة: فمع طفلين يمكن تقسيم المهام بالتساوي، أما مع ثلاثة، فستحتاج العائلة إلى استراتيجيات "دفاع منطقي" كي لا يُترك أحد دون رعاية.

أخبار ذات صلة

فن الإصغاء إلى الذات في زمن ضجيج الحياة والآراء

كيف تساعدنا هذه المعرفة في اتخاذ القرار؟

يذكّرنا بوميستر بأن الإرادة الحرة لا تُمارس في فراغ، بل تتطلب طاقة ذهنية وقدرة تنفيذية، وهي موارد محدودة وتستنزف مع الوقت. لذلك، ينصح بتأجيل اتخاذ القرارات الكبيرة عندما نكون في حالة إرهاق أو ضعف نفسي. القرار الأفضل لا يُتخذ في لحظة انفعال، بل بعد مرور وقت يسمح بتقييم المشاعر وظروف الحياة بهدوء.

ويضيف أن الإدراك الحقيقي للإرادة الحرة يشمل التفكير في القيم، والتأمل في المستقبل، والتساؤل عمّا سيكون مصدر الفخر أو الندم بعد سنوات. فهل الأفضل تكريس الوقت للوظيفة والهوايات؟ أم توسيع العائلة والمشاركة في تربية جيل جديد؟

 

في نهاية المطاف، يؤكد بوميستر أن جوهر الإرادة الحرة هو أن نتصرف استنادًا إلى قناعاتنا الداخلية، لا بناءً على ضغط خارجي أو اندفاع مؤقت. أن نكون مسؤولين أخلاقيًا عن قراراتنا، وأن نصل إلى نتائج جيدة لأنها نابعة منا نحن، لا لأن أحدهم دفعنا نحوها.

أخبار ذات صلة

هل يمكن أن يتحول تقدير الذات إلى قيدٍ خانق؟

 

footer-banner
foochia-logo