من المعتقدات الشائعة أن أي تغيير كبير، مثل الانتقال إلى مدينة جديدة، أو الحصول على وظيفة جديدة، أو بدء علاقة جديدة، يمكن أن يكون بمثابة علاج لحالة القلق الداخلي التي نشعر بها. لذلك كثيرًا ما نسعى إلى هذه التغييرات على أمل أن تمحو ارتباكنا، حزننا، أو شعورنا بالنقص.
ويزيد المجتمع من ترسيخ هذا الاعتقاد من خلال تشجيعنا على السعي للترقيات، شراء المنازل، إنجاب الأطفال، أو الانغماس في التسوق و التواصل الاجتماعي كوسائل لتحقيق السعادة. لكن الحقيقة هي أن هذه الإنجازات الخارجية، على أهميتها، لا تمنح سوى راحة مؤقتة و عابرة.
كلنا مررنا بتلك الحماسة الأولية لشيء جديد، والتي ما تلبث أن تتلاشى ليكشف مجددًا عن المشهد العاطفي القديم الذي لم نكن نرغب في مواجهته. الأسوأ من ذلك، أن اضطرابات التغيير بحد ذاتها قد تضخم في كثير من الأحيان ما كنا نحاول الهروب منه.
وعلى الرغم من أن التغييرات الكبيرة في العمل أو السكن أو العلاقات تبدو واعدة، إلّا أنها، اسم على مُسمّى، تغيّر الكثير إلى حد التزعزع أحياناً. إذ ما كان يُفترض به أن يوفّر وضوحًا، قد يؤدي إلى مزيد من عدم اليقين، ما يجبرنا على مواجهة أنفسنا في أوقات لا نشعر فيها أننا مستعدون لذلك.
في لحظات كهذه، نلجأ غالبًا إلى أقرب الناس إلينا لطلب النصح والإرشاد. على الرغم من النوايا الطيبة للأصدقاء و العائلة، فإن قربهم العاطفي قد يحجب موضوعيتهم.
وبدلًا من أن يمنحونا بعض الوضوح، قد يزيدون من ارتباكنا عبر إسقاط مخاوفهم أو معتقداتهم علينا. الأمر يشبه أن تطلب الاتجاهات من أشخاص لم يزوروا وجهتك من قبل.
هنا يصبح الاستثمار في نفسك من خلال الدعم المهني أمرًا جوهريًا. تقول آن جاكسون، خبيرة الصحة العقلية و مؤسِّسة ”وان لايف كوتشينغ ميدل أيست“ إن الهدف ليس أن يقود أحدهم سفينتك بدلًا عنك، بل أن يزوّدك بالبصيرة والأدوات العاطفية اللازمة لتكون أنت قائد سفينتك، فتظل قادرًا على التكيّف والصمود وسط أمواج الحياة المتقلبة.
نادرًا ما يسير طريق الحياة في خط مستقيم. ومن الطبيعي أن نشعر بالضياع في لحظات الاضطراب. سواء كنت تفكر في الانتقال، أو تغيير المسار المهني، أو خوض تحول في علاقة ما، من المهم أن تدرك أن التحول الحقيقي لا يبدأ من العالم الخارجي، بل من داخلك.
ورغم ما تروّج له وسائل الإعلام، فإن التغيير الخارجي ليس طريقًا مختصرًا نحو السعادة الحقيقية.
فأينما ذهبت، تصطحب ذاتك الداخلية معك. الوظيفة الجديدة أو رحلتك الاستجمامية لا يمكنهما محو المشاعر غير المعالجة أو الاحتياجات التي لم يتم الاعتراف بها.
لهذا، فإن العمل مع متخصص يمكن أن يكون أهم خطوة نحو التغيير العميق و المستدام. فهو يساعدك على استعادة الوضوح و إعادة الاتصال بهدفك، ثم المضي قدمًا بنية حقيقية و واعية.