header-banner
المثالية

المثالية.. العدو اللطيف الذي يسرق أعمارنا

تطوير الذات
إيمان بونقطة
6 مايو 2025,9:00 ص

ليست كل المعارك صاخبة، بعضها يتسلّل إلينا في صمت، متخفّيا في هيئة صفة جميلة.

من بين تلك المعارك، تأتي المثالية؛ تلك النزعة التي تُزيّن لنا الحياة بشكل مبالغ فيه، وتُقنعنا أن النجاح لا يُحتسب إلا إذا كان خاليا من الأخطاء، وأن القيمة لا تُمنح إلا للكمال.

لكن، ما لا تقوله لنا المثالية، هو الثمن الباهظ الذي ندفعه مقابل هذه الصورة اللامعة.

فالمثالية ليست دائما فضيلة، بل في كثير من الأحيان، تتحول إلى عبء نفسي، وسجن داخلي، يقيد حركتنا ويؤجل قراراتنا، ويُشعرنا دوما أننا لسنا "كفاية".

حين تصبح المثالية فخا

5f33d255-c318-42b3-b249-9af86c8ad61c

يرتبط مفهوم الكمالية في أذهان الكثيرين بالسعي نحو الأفضل، لكن الواقع أن الكمالية المفرطة تقود إلى الاحتراق النفسي، وتولد شعورا دائما بعدم الرضا، مهما كانت الإنجازات.

فالشخص المثالي لا يرى النجاح، بل يركّز فقط على ما كان يمكن أن يكون "أفضل". يقف طويلا عند كل تفصيلة صغيرة، يؤجل البدايات خشية النقص، ويستنزف وقته وجهده بحثا عن نتيجة مثالية، قد لا تأتي أبدا.

وفي غمرة هذا السعي، تُسرق الأعمار في صمت. فالخوف من الفشل يمنع التجربة، والحرص الزائد على الجودة يُطفئ الحماسة، والتردد في اتخاذ القرار يُعرقل التقدّم.

المثالية والضغط النفسي

المشكلة ليست فقط في الشعور بالإرهاق، بل في الضغط الخفي الذي تزرعه المثالية داخل النفس. الكمالي يعيش في صراع دائم بين ما هو عليه، وما يظن أنه "يجب" أن يكون عليه.

وغالبا ما يرتبط هذا الصراع بـمشاعر القلق، والإحباط، والشعور بالدونية، خاصة إذا كانت المعايير التي يضعها لنفسه غير واقعية أو مأخوذة من تصورات اجتماعية مثالية لا تمتّ للواقع بصلة.

الكمالية أيضا تؤثر على العلاقات. فالمثالي لا يطلب الكمال من نفسه فقط، بل من الآخرين أيضا؛ ما يخلق توترا في محيطه، ويصعّب عليه تقبّل الاختلاف والتقصير البشري الطبيعي.

أخبار ذات صلة

فن الإصغاء إلى الذات في زمن ضجيج الحياة والآراء

كيف نتحرر من فخ المثالية؟

التحرر من المثالية لا يعني القبول بالرداءة، بل يعني احتضان النقص باعتباره جزءا طبيعيا من التجربة الإنسانية. وهنا بعض المفاتيح لذلك:

ابدأ دون انتظار الكمال

أحيانا، ما يمنعنا من البدء ليس ضعف الفكرة بل الخوف من ألا تكون "مثالية". لكن البدء أهم من الكمال.

احتفل بالإنجاز، لا بالنتيجة فقط

التركيز على الجهد المبذول يساعد في بناء التقدير الذاتي ويخفف من شعور النقص.

تعلّم من الخطأ بدلا من تجنّبه

كل محاولة غير مكتملة تحمل في طياتها دروسا لا تقدر بثمن.

تقبّل الواقع

الكمال ليس موجودا في هذا العالم. ومن يسعى له كمن يطارد سرابا.

اسأل نفسك

لمن تسعى للكمال؟ أحيانا المثالية تنبع من رغبة في إرضاء الآخرين، لا النفس. إدراك هذه الحقيقة يفتح بابا للحرية.

 

المثالية قد تبدو صفة لطيفة، لكنها في كثير من الأحيان تخفي وراءها عبودية خفية. إنها العدو الذي لا يصرخ، لكنه يهمس يوما بعد يوم بأنك لست جيدا بما يكفي.

وفي زمن السرعة والضغوط، أصبح التحرر من الكمالية مفتاحا للتوازن النفسي، والنجاح العملي، والرضا الذاتي. فلنمنح أنفسنا الإذن لنكون ناقصين، لنخطئ، لنتطوّر، لأن في هذا القبول تبدأ الحياة الحقيقية.

أخبار ذات صلة

يجب أن تبدأ بتعزيز قيمتك الذاتية قبل كل شيء

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo