لا أحد ينكر تأثير الأم في تشكيل هوية الطفل، فهي أول عالم يراه، وصوتها أول من يَعلّق في ذاكرته.
لكن ماذا لو كان هذا الصوت محمّلًا باللوم، النقد، أو الإهمال؟ ماذا لو كانت الأم نفسها مصدرًا للأذى العاطفي المستمر؟
في كثير من الأحيان، يُعتبر الحديث عن أمّ سامّة أمرًا شبه محظور ثقافيًّا، وكأنّ الأمومة لا يمكن أن تكون مؤذية. لكن الواقع يقول غير ذلك.
ترسّخت في وعينا الثقافي صورة الأم الملائكية، المليئة بالحب والتضحية. هذه الصورة تجعل من الصعب الاعتراف بالأذى النفسي إذا كان مصدره الأم. فالطفل لا يملك أدوات لتفسير الإساءة، بل يعتقد أنه هو المخطئ، وأنه يستحق ما يتلقاه من نقد، وصمت، أو تجاهل.
تكبر الفتاة غير المحبوبة وهي تحلم أن يأتي اليوم الذي تنال فيه حب أمها أو رضاها. وعندما تصبح راشدة، تكتشف أن الجرح لم يندمل، وأن الحاجة للاعتراف والحب لم تنتهِ. هذا الصراع هو ما يُعرف بـ"النزاع الداخلي": الوعي بالإساءة من جهة، والرغبة العميقة في نيل حب الأم من جهة أخرى.
هناك سلوكيات قد تكون شائعة بين الأمهات، يمارسنها بدون نية سيئة، ولكنها سامة:
استخدام عبارات مثل "أنتِ دائمًا تُخطئين" أو "لا تفعلين قط شيئًا جيدًا" يزرع في نفس الطفلة شعورًا دائمًا بالذنب وعدم الكفاءة. هذه العبارات تُترجم لاحقًا إلى نقد داخلي مزمن يؤثر في صحتها النفسية.
تستخدم بعض الأمهات "تأنيب الضمير" كوسيلة للسيطرة على بناتهن، عبر تكرار عبارات مثل: "بعد كل ما فعلته من أجلك، هكذا تردّين لي الجميل؟"، ما يجعل الابنة تشعر بالذنب لمجرد وضع حدود صحية.
مقارنة الابنة بأخواتها أو قريباتها أو حتى الغرباء مثل: "ليتك مثل أختك"، تخلق شعورًا بالدونية وتقتل ثقة الطفلة بنفسها، خاصة إذا كانت هذه المقارنات متكررة ومصحوبة بالسخرية.
بعض الأمهات لا يصرخن، لكن يعبرن عن الرفض أو الاستهزاء بتصرفات صامتة، كالتنهدات، والنظرات، أو التلميحات الساخرة. هذه الإشارات غير المباشرة تترك أثرًا عميقًا في الطفلة، وتزيد قلقها الداخلي.
حين تقول الأم للطفلة: "أنا لم أعدك بذلك" وهي فعلًا وعدت، أو "أنتِ تتخيلين"، تبدأ الطفلة في الشك في إدراكها للواقع. هذا النوع من التلاعب يضعف ثقة الابنة بنفسها ويدخلها في دائرة من الإنكار.
السخرية من مشاعر الابنة، أو احتقار رأيها أمام الآخرين، يجعلها تشعر أنها غير مهمة، وأن مشاعرها لا تستحق الاحترام؛ ما يؤثر سلبًا في احترامها لذاتها.
تكون الابنة في بعض العائلات هي "المذنبة دائمًا"، ويُلقى عليها اللوم في كل خلاف أو أزمة. هذا النمط يولّد شعورًا دائمًا بالخزي ويؤدي إلى اضطرابات نفسية لاحقًا.
حين تُعاقب الأم ابنتها بالتجاهل أو الصمت لعدة أيام، تشعر الطفلة وكأنها لم تعد موجودة. هذا السلوك، رغم صمته، مؤلم جدًّا ويهزّ إحساس الطفلة بالأمان والقبول.
ليس من السهل أن تعترفي بأن علاقتك مع ابنتك سامة، لكن إصلاح العلاقة يبدأ من الاعتراف، واختيار التغيير وعدم تكرار الجراح العاطفية التي قد تلقيتها، أو الأسلوب الذي تعلمته من والدتك.