header-banner
أمومة

الطفولة المتوسطة.. السنوات المنسية التي تُشكّل الشخصية

أمومة
إيمان بونقطة
21 مايو 2025,8:00 ص

حين نتحدث عن الطفولة، غالبًا ما تتجه أذهاننا إلى السنوات الأولى المليئة بالحركة والاكتشاف، أو إلى المراهقة المضطربة والمشحونة بالعواطف.

لكن هناك مرحلة وسطى تمرّ بصمت، على الرغم من أنها تضع الأساس العميق لصحة الطفل النفسية والاجتماعية لاحقًا.

إنها مرحلة الطفولة المتوسطة، من سن السادسة وحتى الثانية عشرة وهي مرحلة كثيرًا ما تُهمل، رغم أهميتها البالغة.

لماذا تُعد هذه المرحلة المتوسطة مفصلية؟

8554af8a-7e31-406b-ade0-2004c81ac18d

في هذه السنوات، يتطور الطفل من كائن معتمد إلى شخص قادر على اتخاذ قرارات صغيرة، والتفاعل مع الآخرين، والتعامل مع مشاعره المتقلبة.

يبدأ في بناء تقديره لذاته، وتتشكل ملامح ثقته في العالم من حوله. ما يغرس في هذا العمر، يظهر أثره لاحقًا، ليس فقط في سن المراهقة، بل في النضج العاطفي والعلاقات المستقبلية.

غالبًا ما تبدأ التحديات النفسية، مثل القلق أو الانعزال أو السلوك المثالي المفرط، في هذه المرحلة لكنها تمر من دون ملاحظة، لأن الطفل "ليس مراهقًا بعد"، أو لأن الأهل يظنون أنها "مرحلة وستمر".

ضغوط المراهقة بدأت تُطلّ مبكرًا

شهدت السنوات الأخيرة تحوّلًا لافتًا في توقيت ظهور مؤشرات البلوغ والضغوط النفسية المرتبطة به. إذ تبدأ بعض الفتيات بملامح البلوغ الجسدي في عمر الثامنة، ويبدأ الأولاد في العاشرة. ومع الانفتاح الرقمي، تتعرض هذه الفئة لعوامل ضغط لم تكن موجودة سابقًا: المقارنة عبر وسائل التواصل، التوقعات الأكاديمية المرتفعة، وحتى قلق المستقبل والمناخ.

كل هذا يجعل عالم الطفولة يبدو أكبر وأثقل من قدرة الطفل على استيعابه. وعندما لا يجد الطفل دعماً نفسياً مناسباً، قد تظهر علامات التعب النفسي على شكل نوبات غضب، أو انعزال، أو تراجع دراسي، أو سلوك مفرط في المثالية.

هشاشة تحت السطح

رغم أن الطفل في هذه المرحلة يبدو أكثر استقرارًا من الطفل الصغير، إلا أن ما يحدث داخله أكثر تعقيدًا مما يظهر:

  • نمو قدراته الذهنية بسرعة، لكنه لا يزال يفتقر إلى أدوات التنظيم والتخطيط.
  • يبدأ في مقارنة نفسه بالآخرين من حيث الشكل والقدرات والشعبية.
  • يعيش مشاعر قوية لكنه لا يعرف كيف يعبّر عنها أو ينظّمها.
  • يبدأ الشعور بالحاجة للانتماء، وتكتسب الصداقات معنى جديدًا وأعمق.

وفي غياب التوجيه، قد يبدأ الطفل بتبنّي رسائل مجتمعية خاطئة مثل: "يجب أن تكون الأفضل دائمًا"، أو "لا تظهر ضعفك"، أو "أنت وحدك". هذه الرسائل قد تتحول لاحقًا إلى قلق مزمن أو اكتئاب أو اضطرابات في الهوية.

أخبار ذات صلة

الدورة الشهرية الأولى للمراهِقة.. ما هو دور الأم؟

ما الذي يحتاجه الطفل فعلًا في هذه المرحلة؟

الخبر الجيد أن هذه المرحلة ليست فقط معرضة للمخاطر، بل أيضًا مليئة بالفرص:

تعليم اللغة العاطفية

يحتاج الطفل إلى أكثر من كلمات مثل "غضبان" أو "حزين". عرّفيه بمشاعر مثل "الإحباط"، "الخجل"، "الارتباك"، و"الخذلان"، وساعديه على فهم أن المشاعر ليست خطأ، بل إشارات علينا الإنصات إليها.

الاعتراف بالمشكلات وعدم التهوين منها

حين يشتكي طفلك، تجنّبي الردود مثل "أنت بخير" أو "هذه ليست مشكلة". بدلاً من ذلك، اسأليه: "ما الذي أزعجك بالضبط؟" واستمعي بفضول.

منحه الاستقلال بتوجيه

شجّعيه على خوض التجارب، حتى إن أخطأ. التجربة والخطأ بإشراف محبّ هو ما يبني ثقته في قدراته.

وضع حدود واضحة للتكنولوجيا

هذا هو الوقت الذي تتشكّل فيه عادات الطفل الرقمية. كوني قدوة في استخدام الأجهزة، واجعلي لبعض اللحظات العائلية طابعًا خاليًا من الشاشات. تحدثي معه عن إيجابيات وسلبيات العالم الرقمي من دون تخويف، بل بوعي.

 

الطفولة المتوسطة ليست مجرد "مرحلة انتظار"، علينا التوقف عن التعامل مع هذه المرحلة وكأنها ممر عبور نحو المراهقة. إنها لبنة أساسية في بناء الشخصية، والمرحلة التي يُؤسَّس فيها الصمود، والوعي الذاتي، والتعاطف، والثقة بالنفس.

حين نعطي هذه المرحلة الاهتمام العاطفي والتربوي الذي تستحقه، لا نمنح أطفالنا فقط سنوات وسطى أكثر توازنًا، بل نضع حجر الأساس لراشدين أكثر نضجًا ومرونة.

أخبار ذات صلة

الأمومة الصامتة.. ماذا يحدث عندما لا تستطيع الأم التعبير بالكلام؟

 

footer-banner
foochia-logo