لا شيء يربك قلب الأم أكثر من أن ترى صغيرتها تتقدّم خطوة نحو عالم النساء قبل أوانها. لحظة مربكة، لا تشبه أي لحظة أمومة أخرى. فتاة في الثامنة أو التاسعة، بالكاد خرجت من ألعاب الطفولة، تفاجأ بتغيّر جسدي لم تفهمه بعد، ولم تستعد له نفسيًا أو وجدانيًا. دماء لا تعرف سببها، وخوف لا تملك له اسمًا.
في تلك اللحظة، تكون الأم أمام خيارين: إما أن تشارك ابنتها الارتباك والصمت والتوتر، أو أن تكون لها الحضن الأول، والصوت الأكثر طمأنينة، والدليل الذي يرافقها دون ضجيج.
يُعد بدء الدورة الشهرية محطة مفصلية في حياة الفتاة، لكنها لا تعني فقط تحوّلاً جسديًا، بل بداية لمرحلة تحتاج فيها إلى من يمنحها الفهم، والطمأنينة، والإجابات دون خجل أو تكلّف.
والواقع أن كثيرًا من الفتيات يبدأن هذه المرحلة دون إعداد مسبق، إما لأن الأم لم تتوقع أن تأتي الدورة بهذه السرعة، أو لأنها لم تجد التوقيت أو اللغة المناسبة للشرح.
يُعتبر سن بدء الحيض الطبيعي بين 10 إلى 14 عامًا، لكن بعض الفتيات قد يبدأن في عمر 8 أو 9، وهو ما يُعرف بالدورة المبكرة. أحيانًا لا تكون هذه البداية مصحوبة بأي وعي أو استعداد؛ ما يسبب للفتاة خوفًا وارتباكًا شديدين.
فقد تفاجأ الأم أيضًا ببدء الدورة الشهرية لدى ابنتها في سن مبكرة، قبل أن تكون الفتاة مستعدة نفسيًا أو حتى مدركة لما يحدث. في هذه الحالة، تقع على الأم مسؤولية مزدوجة: احتواء الصدمة، وخلق مساحة من الطمأنينة والثقة تساعد الطفلة على عبور هذه المرحلة بأمان نفسي وجسدي.
أخبريها أولًا أن ما حدث طبيعي، وقولي لها بهدوء: "جسمك يكبر، وهذا جزء من النمو الطبيعي لكل فتاة".
المهم أن تكون أول رسالة تسمعها منك هي أن ما تمرّ به ليس أمرًا مخيفًا أو معيبًا.
لا تقولي: "الموضوع ليس مهم، كلنا مررنا بهذا الشيء"، ولا تقولي: "يجب أن تتصرفي الآن كأنك بالغة".
كوني وسطية، داعمة، ومتفهّمة لمشاعرها المتناقضة. واشرحي لها ببساطة ما هي الدورة الشهرية. لا تنسي أن تجعلي الشرح بسيطًا ومتناسبًا مع عمرها.
في البداية، يكفي أن تتعلم كيفية استخدام الفوطة الصحية، طريقة التخلص منها، وأهمية النظافة الشخصية، دون التطرق فورًا إلى تفاصيل الدورة الشهرية الكاملة أو الصحة الإنجابية، إلا إذا سألت.
شاركيها أنك أيضًا مررتِ بهذه المرحلة، واطمئني إلى أن تكوني مرجعها الأول.
يفضّل البدء بالحديث عن الدورة الشهرية بشكل مبسط في عمر 8 أو 9 سنوات، حتى لو لم تظهر أي علامات للبلوغ بعد. هذا الحديث لا يجب أن يكون "محاضرة"، بل ضمن أحاديث يومية طبيعية:
أثناء التسوق: "هذه الفوط الصحية خاصة بالدورة، عندما تكبرين قليلا سوف تحتاجينها".
عند الحديث عن الجسم: "جسم البنت يتغير شيئًا فشيئًا، وهناك أمور سوف يصبح وجودها مكرر مثل الدورة الشهرية".
عند الاستحمام أو تبديل الملابس: يمكنك الحديث عن الخصوصية وأهمية العناية بالجسم.
إليك بعض الخطوات الهامة التي عليك معرفتها للتعامل الصحيح مع ابنتك عندما يتعلق الأمر بالدورة الشهرية:
لا تدعي المدرسة أو الصديقات يكنّ أول من يخبرها، فقد تحصل على معلومات مشوّهة أو مخيفة.
استخدمي كتبًا أو فيديوهات علمية مخصصة للأطفال.
هناك مواد بصرية مبسطة تساعدك على إيصال الفكرة بلغة مفهومة ومرئية، وتخفف من الإحراج.
مثلًا، كيف تعتني بنظافتها الشخصية، كيف تطلب المساعدة إذا احتاجت، وكيف تعبر عن عدم الراحة.
ضعي فيها فوطًا صحية، سروالًا داخليًا احتياطيًا، ومناديل، ويمكن أن تحتفظ بها في حقيبتها المدرسية، دون إحراج.
بعض الأمهات يربطن بين الدورة والنضج أو القيود، كأن تُمنع البنت من اللعب أو الخروج. هذا يعزّز الشعور بالذنب أو الخوف من النمو. على العكس، طمئنيها أن جسمها فقط هو من يتغير، أما هي، فتبقى طفلتك المحبوبة.
السكوت أو التجاهل: التجاهل يخلق شعورًا بالخزي، كأن الدورة شيء "عيب".
التهويل وربط الدورة بالممنوعات: لا تجعلي الدورة بوابة للخوف من البلوغ أو الحياة الجنسية.
السخرية أو التلميحات الساخرة: أي تعليق سلبي قد يظل محفورًا في ذاكرتها طويلًا.
الدورة الشهرية ليست حدثًا بيولوجيًا فقط، بل لحظة تحوّل نفسي في حياة الفتاة. وكلما كانت الأم حاضرة ومتفهّمة، تحوّلت هذه التجربة من صدمة إلى لحظة نضج حقيقية.
ابدئي الحديث مبكرًا، وكوني دائمًا الملاذ الآمن الذي تلجأ إليه ابنتك كلما احتاجت أن تفهم، أو تبكي، أو تسأل.