هل فكرتِ يوما بأن من أهم الصفات التي تكشف لكِ نجاح العلاقة العاطفية على المدى الطويل، ليس فقط اللطف أو مهارات التواصل أو التوفر العاطفي، بل أمر أكثر هدوءا وأقل وضوحا؟
صفة قد لا تتوقعينها لكنها تملك قوة كبيرة في الحفاظ على الحب حيًّا: وهي القدرة على تغيير الرأي.
قد تعتقدين أن تمسك الشريك بمواقفه دائما علامة على القوة والثقة، لكن الحقيقة أن في العلاقات العاطفية، القدرة على تعديل وجهة النظر استجابة لمعلومات جديدة أو لاحتياجاتك أو لتجاربكما المشتركة، هي دليل على نضج عاطفي، وتواضع فكري، ومرونة، وكلها أسس تبني علاقة متينة ومرضية على المدى البعيد.
لماذا تعد هذه الإشارة الإيجابية أكثر أهمية مما تظنين؟ إليك بعض الأمثلة، تخيلي هذين الموقفين:
تخبرين شريكك أن مزحة معينة يكررها تجرح مشاعرك. الشخص الذي يفتقر لهذه القدرة قد يرد بعبارة: أنتِ حساسة أكثر من اللازم، كنت أمزح فقط. هذه الجملة تلغي مشاعرك وتغلق باب الحوار. أما الشريك الذي يمتلك القدرة على تغيير رأيه، فقد يتوقف قليلا ويفكر، ثم يقول: لم أكن أدرك أن هذا يزعجك، سأكون أكثر انتباها. هذا الرد لا يعترف فقط بمشاعرك، بل يعكس أيضا رغبة حقيقية في تعديل السلوك بدافع الاحترام والحب.
تختلفان في وجهات النظر حول موضوع ما. بدل أن يتمسك الشريك برأيه بعناد، يستمع إليك بإنصات، يطرح أسئلة لفهم منظورك، ثم يقول: لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة من قبل، كلامك منطقي. هذا الموقف يكشف عن انفتاح وفضول واستعداد لدمج وجهات نظر جديدة، وهي صفات تغذي الاحترام المتبادل وتعزز النمو المشترك.
في الحالتين، القدرة على تغيير المنظور تزرع الثقة، وتعزز الأمان العاطفي، وتحول الخلافات من معارك لإثبات من هو "الأصح" إلى فرص للتقارب والتطور.
هذه القدرة لا تتعلق فقط بسلوك ظاهري، بل تنبع من سمات نفسية عميقة تحدد كيف يتعامل الشخص مع الحياة والعلاقات:
وهي قدرة العقل على التكيف مع المعلومات والظروف المتغيرة. الشريك الذي يملك هذه المرونة لا يرى الخلافات كتهديد، بل كفرصة لفهم أعمق.
الأشخاص الذين لا يتشبثون بآرائهم لمجرد حماية الأنا، يدركون أن الاعتراف بالخطأ ليس ضعفا، بل خطوة نحو النمو.
كما وصفتها عالمة النفس كارول دويك، هي الإيمان بأن القدرات يمكن تطويرها بالتعلم والجهد. في العلاقة، هذا يعني شريكا مستعدا للتطور معك.
الشخص الواثق من نفسه لا يخشى اختلاف الآراء ولا يعتبره تهديدا، بل يتعامل معه بهدوء وانفتاح.
قد لا تكون هذه الصفة واضحة منذ اللقاءات الأولى، لكن هناك علامات صغيرة تكشفها:
الشريك الذي يستطيع الاعتراف بأخطائه وتحمل المسؤولية يظهر نضجا عاطفيا كبيرا، ويضع مصلحة العلاقة فوق حماية الأنا. الدراسات تشير إلى أن الأشخاص الذين يعترفون بأخطائهم ينظر إليهم على أنهم أكثر نضجا وكفاءة وجاذبية.
الفضول الفكري مؤشر قوي على الانفتاح. الشريك الذي يهتم بفهم منظورك، حتى لو اختلف معه، يثبت أنه لا يسعى للفوز في النقاش بقدر ما يسعى للتفاهم.
رد الفعل على الملاحظات يكشف الكثير. الشريك الذي يستمع ويتأمل بدل أن يتخذ موقفا دفاعيا، يملك نضجا وانفتاحا يسمحان بتطوير العلاقة باستمرار. حتى التغييرات الصغيرة في المواقف اليومية تعكس القدرة على التأقلم مع التحولات الكبيرة مستقبلا.
باختصار، القدرة على تغيير الرأي ليست تذبذبا أو ضعفا، بل قوة حقيقية تدل على شريك يفهم أن الحب علاقة تنمو وتتطور مع الوقت، وأن المرونة هي المفتاح للحفاظ عليها قوية وحية.