هل تتزوجين من أجل الحب أم المال؟

في كل مرة يُطرح فيها سؤال: "هل تتزوجين من أجل الحب أم المال؟"، يتبادر إلى الذهن صراع قديم جديد بين القلب والعقل، بين الرغبة في الأمان العاطفي والحاجة إلى الاستقرار المادي.

وبينما يُفترض أن يكون الحب جوهر العلاقة، لا يمكن إنكار أن المال له تأثير فعلي في تشكيل قرارات الزواج واستمرار العلاقات، خاصة في عالم يتطلب فيه كل شيء تقريبًا مقابلاً مادّيًا.

في المجتمعات الحديثة، لم يعد الزواج مجرد التقاء قلبين، بل بات قرارًا محاطًا بتحديات الحياة الواقعية: النفقات، الطموحات، الأمن الأسري، ومستقبل الأبناء.

هذه المعطيات تجعل من الصعب تجاهل أهمية المال، حتى لدى أولئك الذين ينادون بأن "الحب هو كل ما نحتاجه". لكن هل يمكن فعلاً أن يصمد الحب في غياب الموارد؟ وهل يستطيع المال وحده أن يصنع السعادة؟

الوظيفة العاطفية للمال في العلاقات

لا يشتري المال الحب، لكنه يخلق ظروفًا أكثر ملاءمة لنموّه. بحسب استطلاعات رأي، فإن النساء والرجال على حدّ سواء غالبًا ما يفضلون الشريك المستقر ماليًا، خاصة إذا كانوا يخططون لحياة عائلية طويلة الأمد.

الفكرة هنا ليست في أن المال هو الغاية، بل هو وسيلة لتحقيق الأمان، تقليل القلق، وتوفير بيئة صحية تنمو فيها المشاعر.

لكن الواقع لا يخلو من التناقضات. في استطلاع أمريكي، أظهرت النتائج أن 56% من الأشخاص يفضلون شريكًا يؤمّن لهم الاستقرار المالي، بينما اختار 44% "الوقوع في الحب" كأولوية.

المفارقة أن هؤلاء أنفسهم قد يغيرون رأيهم إذا واجهوا تحديات اقتصادية حقيقية، ما يفسر كيف تتحوّل المثالية العاطفية إلى واقعية عملية عند الاحتكاك بالحياة اليومية.

حين يتحوّل الحب إلى عبء مادي

قد يبدأ الزواج بقصة حب رومانسية، لكنه ما يلبث أن يواجه اختبارات قاسية إذا كان الزوجان يعانيان من ضغوط مالية مستمرة. الدراسات تشير إلى أن المال هو أحد أبرز أسباب الخلافات الزوجية، بل ويُعد مؤشراً قويًا لاحتمال الانفصال.

وحين يترافق العوز المادي مع غياب الحب أو التفاهم، يصبح الزواج عبئًا نفسيًا وعاطفيًا يصعب احتماله.

في المقابل، حين يكون المال وفيرًا لكنه يخلو من الدفء الإنساني والمشاعر الصادقة، تشعر الزوجة أو الزوج بالفراغ، وتفقد العلاقة معناها الأصيل. فالمال لا يمنح الاحتواء، ولا يخلق شغفًا، ولا يعوّض عن غياب الانسجام النفسي والروحي.

الزواج كـ "استثمار مشترك" وليس صفقة

الزواج الناجح، بحسب علماء النفس، هو علاقة تقوم على الشراكة الحقيقية، حيث يشعر كل طرف بأنه جزء من مشروع مشترك للنجاح والنمو.

الشريك لا يكون وسيلة لتحقيق المكاسب، بل هو شريك في "الازدهار المتبادل". في هذا النوع من العلاقات، يتعامل الطرفان مع المال كأداة لتسهيل الحياة، وليس كأداة للسيطرة أو الارتباط المشروط.

وهنا تظهر أهمية "الذكاء العاطفي المالي"، أي القدرة على إدارة المال من دون أن يطغى على المشاعر. فالاستثمار في الحب، كما في المال، يتطلب رؤية بعيدة المدى، وعقلًا متزنًا لا ينسى أن أجمل ما في العلاقات هو الشعور بالأمان، سواء جاء من قلب مُحب، أم من يد تُمسك بك حين تضعف.

التوازن هو الحل

قد لا يكون الزواج من أجل المال خطأ، ولا من أجل الحب وحده مغامرة مضمونة. الخطورة تكمن في الاعتماد الكلي على أحد الجانبين. المال يمكن أن يدعم الحب، والحب يمكن أن يُسعد الحياة حتى في ظل موارد محدودة. لكن غياب أحدهما تمامًا قد يُحدث خللاً يصعب تداركه.

 

في النهاية، لا تبحثي عن شريك غني فحسب، بل عن شخص يُثريك إنسانيًا. ولا تركني فقط إلى المشاعر، بل تأكدي أنكما تملكان رؤية مشتركة لحياة مستقرّة. الحب من دون وعي يُرهق، والمال من دون دفء يُفرّغ العلاقة من معناها. والنجاح الحقيقي هو حين تجدين في شريكك قلبًا يحبك، وعقلًا يُخطط معك، ويدًا تمتد لك في الشدائد قبل الأفراح.