قد تتصوّرين أن قرارك بالانسحاب من علاقة مؤذية يعني نهايتها الفعلية، وأن الطرف الآخر سيتقبل ذلك ويتركك تمضين في سلام. لكن مع الشريك النرجسي، لا تسير الأمور بهذه البساطة. ففي اللحظة التي يشعر فيها أنك بدأت تتنفسين بحرية بدونه، وأنك قادرة على الوقوف من جديد، يبدأ باستخدام واحدة من أخطر أدواته النفسية: "الهوفرينغ".
والهوفرينغ ليس اعتذارًا صادقًا، ولا رغبة حقيقية في الإصلاح، بل هو محاولة استرجاعك بأي وسيلة ممكنة، فقط ليؤكد لنفسه أنه ما زال يملك تأثيرًا عليك. هو تلاعب مقنّع بمشاعر الشوق والحنين والذنب، يبدأ غالبًا عندما يشعر النرجسي بأنك بدأتِ تتجاوزين العلاقة، وأن كبرياءه قد مُسّ بخروجك عن سيطرته.
في هذا السياق، تشرح خبيرة العلاقات السامة آمال عازار لـ"فوشيا" أن الهوفرينغ يمر عبر 9 إستراتيجيات مختلفة، تتبدل وتتكرر بحسب استجابتك، وكلها تهدف إلى استدراجك خطوة خطوة إلى الدائرة نفسها التي خرجتِ منها، وربما بثمن نفسي أكبر. فقط من أجل أن يعيدك إلى مكانك السابق: تحت السيطرة.
لكن الوعي بهذه المراحل هو أول خطوة لحماية نفسك، وفهم اللعبة يعني كسرها قبل أن تبدأ.
مصطلح "الهوفرينغ" (Hoovering) مأخوذ من اسم مكنسة كهربائية شهيرة (Hoover)، للدلالة على محاولة "شفط" الشخص من جديد إلى العلاقة، أي استدراجه أو سحبه للعودة بعد الانفصال، وهو يُستخدم بشكل واسع في سياق العلاقات المؤذية وخاصة المرتبطة بالشخصيات النرجسية أو السامة.
توضح الكوتش آمال المختصة بالعلاقات النرجسية، بأن النرجسي يبدأ بممارسة الهوفرينغ ما إن يدرك أنكِ لم تعودي بحاجة إليه، وأنكِ أصبحتِ أقوى من أن تنتظريه أو تلاحقيه، يشعر وكأن كبرياءه قد تلقّى ضربة.
لا يتعلق الأمر بالحب، بل برغبة في استعادة السيطرة. هنا يبدأ باتباع سلسلة من الأساليب المدروسة، أحيانًا بشكل واعٍ، وأحيانًا بدافع غريزي لإعادتك إلى العلاقة. وهذه أبرز أساليبه التسعة:
عندما تبدأين بالانسحاب، فجأة يعود ليتحدث معك بطريقة طبيعية تمامًا، كأن كل ما حصل بينكما لم يكن. يفتح مواضيع يومية عادية جدًا، ليجعلك تشكّين في نفسك وتتساءلين: هل كنتُ أبالغ؟ هل كنت أنا المخطئة؟
هذه الطريقة هدفها التلاعب بإدراكك للواقع، وإضعاف شعورك بأنك اتخذت القرار الصائب.
فجأة، يصغي لكِ كما لم يفعل من قبل، ويظهر استعدادًا لتقديم كل ما كنتِ تتمنين منه: إصغاء، احترام، وعود.
قد يقوم بتصرف لطيف لم يكن يفعله، فقط ليكسر حاجز الصدّ لديكِ ويشعرك بأنه "تغيّر". لكنها حركة مؤقتة مدروسة، وليست نابعة من رغبة حقيقية في الإصلاح.
يرسل لكِ رسالة: "صلي لي"، أو "أنا تعبان"، أو "أشعر أن شيئا ما سيحدث لي"، أو حتى صورة قديمة تجمعكما لتوقظ فيكِ الحنين.
هنا يستغل معرفته بأنك شخص عطوف، ليدخل من باب الشفقة، ويشعل مشاعر القلق بداخلك.
يلجأ للعتاب والاتهام: "أنتِ لم تحبيني يومًا"، "أنتِ سمحتِ لأهلك وأصدقائك أن يتدخلوا بيننا"، "دائمًا كنتِ ضدي".
بهذه الطريقة، يحاول أن يضعك في موقع الدفاع، ويزرع فيكِ شعورًا بالذنب، لتبدئي بالتبرير وربما التراجع.
حين يفشل بلعب دور الضحية، ينتقل للتهديد: "سآخذ الأولاد"، "سأفضحك"، "ستندمين".
يستهدف أكثر نقطة ضعف عندك، ليزرع الخوف، ويجعلك تشعرين أن خسارته أصعب من خسارة كل شيء آخر.
رغم أنه لم يعتذر قط من قبل، هذه المرة يعتذر وبشكل مبالغ فيه. قد يكتب منشورًا على وسائل التواصل، أو يسجّل رسالة مؤثرة، أو يطلب وساطة العائلة.
هذا النوع من الاعتذار عادة ما يكون مؤقتًا، مصممًا فقط لاستعطافك وكسر قرارك.
يبتعد فجأة، لكنه يتأكد من أنكِ عرفتِ بانسحابه. يحذفك، يحظرك، ينشر منشورات عن "الخذلان"، وكل هذا فقط ليوقظ فيكِ الخوف من فقدانه نهائيًا، فتلحقينه وتعودين بإرادتك.
يرسل إليكِ أحد المقرّبين منه أو منكِ: صديق، قريب، أو حتى زميل، ليبلّغك بأنه "تعبان" أو "لا يستطيع العيش بدونك".
يستغل هذا الوسيط ليلعب دور الضحية، ويجعل الطرف الثالث يضغط عليكِ من دون أن يبدو هو المتحكم بالموقف.
عندما يستنفذ جميع الحلول يقنعك أن تبقوا على تواصل بسيط، فقط كأصدقاء. يقدّم هذا الحل كأنه "ناضج" ومتوازن، لكنه في الحقيقة طريقة ذكية للإبقاء على باب الرجوع مفتوحًا، واستمرار التأثير العاطفي عليكِ حتى اللحظة المناسبة لمحاولة جديدة.
القاعدة الذهبية الدائمة في مواجهة هذا النوع من التلاعب هي: "No Contact" – لا تواصل.
أغلقي كل باب وكل نافذة. لا تتركي ثغرة واحدة يعود منها.
واسألي نفسك: ما الذي يدفعكِ للعودة كل مرة؟ ما نقاط ضعفك؟ ما مخاوفك التي يستغلّها؟
حين تكون لديك واضحة، يسهل عليكِ حمايتها.
وأخيرًا...
فعليك معرفة أن الهوفرينغ ليس حبًا، وليس ندمًا. بل هو شكل آخر من أشكال التلاعب كما توضح الخبيرة آمال. فكل وعد يُقال في هذه المرحلة، غالبًا ما يُنسى بعدها. وكل عودة، ستتبعها لحظة تقولين فيها: "يا ليتني لم أرجع، ماذا فعلت بنفسي؟"
وآخر نصيحة لك هي أن لا تستسلمي. وأن تستمري. وتتأكدي أن هناك من يمكنه دعمك ومساعدتك في بناء حياة أكثر وعيًا وسلامًا.