قد لا يكون مصطلح "محب السيطرة" أو "المتحكم" مصطلحًا علميًا رسميًا، لكنه يصف بدقة سلوكًا يُلاحظ في كثير من العلاقات اليومية.
الشخص المسيطر لا يكتفي بإبداء الرأي أو اقتراح الحلول، بل يسعى إلى فرض رؤيته، التحكم في التفاصيل، وتوجيه الآخرين، حتى في أبسط الأمور.
وغالبًا ما تكون هذه السلوكيات انعكاسًا لحاجته العميقة إلى الشعور بالأمان عبر السيطرة الكاملة على محيطه.
لكن من هو هذا الشخص المتحكم؟ وما الذي يدفعه إلى هذه السلوكيات؟.
الأبحاث تشير إلى أن من لديهم حاجة مفرطة للسيطرة قد يعانون من اضطرابات قهرية، مشاعر غضب (ظاهرة أو مكبوتة)، قلق مفرط، أو مشكلات في المزاج. بالنسبة لهم، السيطرة ليست سلوكا بل ضرورة، إذ يعتقدون أن غيابها يعني الفوضى والانهيار.
فيما يلي خمس علامات واضحة تكشف أنك تتعامل مع شخص لا يستطيع التخلّي عن دفة القيادة:
من أبرز سمات الشخصية المتحكمة: الرغبة الدائمة في "تصويب" الآخرين. سواء كان ذلك تصحيح نطق كلمة، أو سردا مختلفا لواقعة سابقة، أو حتى إبداء ملاحظات على أسلوب الأكل أو اللباس. الدافع خلف هذا السلوك ليس حب المعرفة أو مساعدة الآخر، بل الاعتقاد العميق بأنهم "على حق دائمًا" وأن العالم سيكون مكانًا أفضل إذا اتبع الآخرون طريقتهم.
في النقاشات، يكون هدف الشخص المسيطر ليس الفهم أو التفاهم، بل الفوز. يريد أن يُثبت أنه الأكثر منطقًا، الأكثر علمًا، والأكثر قدرة على التحليل. لا يتحمل أن يُعارضه أحد، ويحرص دائمًا على أن تكون كلمته الأخيرة في كل حوار.
هذا النوع من السلوك قد يجعل العلاقة معه مرهقة، حيث يشعر الطرف الآخر بأنه في امتحان دائم لإثبات أهليته.
الاعتراف بالخطأ يُعدّ تهديدًا لهوية الشخص المسيطر. لذلك، تجده يبرر، يراوغ، أو يُحمّل المسؤولية للظروف أو الآخرين. الخوف العميق من أن يُنظر إليه على أنه ضعيف أو غير كفء يدفعه إلى الدفاع عن نفسه حتى في أبسط الأمور.
النتيجة؟ صعوبة بالغة في بناء علاقات قائمة على الثقة والصدق، لأن كل نقاش يتحوّل إلى معركة لا مجال فيها للاعتراف أو التراجع.
تراه يعلّق على كل شيء: كيف يمسك الناس بالشوكة، كيف يربّون أبناءهم، أو حتى كيف يتحدثون أو يتصرفون. لا يكتفي برأيه الشخصي، بل يُقدّم نقده وكأنه قاعدة عامة، وغالبًا ما يتصف بنبرة تعالٍ أو استعلاء.
هذا النمط السلوكي يُشعر من حوله بأنهم دائمًا تحت المجهر، ما يولد مشاعر من التوتر أو عدم القبول.
أحد أكثر المواقف التي تكشف عن اضطراب الحاجة للسيطرة هو أثناء القيادة. الشخص المسيطر يغضب بسهولة، يصرخ على السائقين الآخرين، يطلق الشتائم، وقد يُظهر سلوكيات خطرة على الطريق.
بالنسبة له، أي سيارة تسير ببطء، أو مشاة يقطعون الطريق، هي عقبة يجب إزالتها. لا يرى نفسه جزءًا من منظومة، بل يعتبر أن الجميع يجب أن يتحركوا وفق إيقاعه وحده.
قد يرى البعض أن حب النظام أو الحرص على التفاصيل صفات إيجابية، وهذا صحيح إلى حدٍ ما. لكن عندما تتضخم الحاجة إلى السيطرة وتتحول إلى نمط ثابت من السلوك، فإنها تُرهق صاحبها وتؤذي من حوله.
إذا وجدت في نفسك بعض هذه الصفات، فقد يكون الوقت قد حان لمراجعة داخلك: هل تشعر بالإرهاق من محاولاتك المستمرة للسيطرة على كل شيء؟ وإذا كنت تتعامل مع شخص بهذه الصفات، فالحوار الصادق قد يكون خطوة أولى نحو تحسين العلاقة.
لأن العلاقات الصحية لا تُبنى على السيطرة، بل على الثقة، والمرونة، والقدرة على تقبّل الآخر.