ليست كل علاقة متعبة ناتجة عن أنانية طرف أو قسوة الآخر، أحياناً يكون التعب صادراً عن دور نتقمصه بإتقان: دور الضحية.
يبدو بريئاً في مظهره، لكنه سامّ في أثره. وقد يتسلل إلى العلاقة بصمت، متخفياً خلف كلمات مثل "أنا أفعل كل شيء ولا أتلقى شيئاً"، أو "لماذا لا يُقدّرني أحد؟"، حتى يتحوّل إلى جوهر العلاقة ويأكلها من الداخل.
دور الضحية ليس صفة ثابتة، بل سلوك واعٍ أو غير واعٍ يتّخذه أحد الطرفين، حين يرى نفسه في موقع المظلوم دائماً، ويشعر بأن عليه أن يتحمل كل شيء في العلاقة دون مقابل.
يُكثر من التذمّر، لكنه لا يطلب ما يحتاجه بوضوح. ينتظر أن يفهمه الآخر من دون أن يتكلم، ويعتقد أن التضحية وحدها كافية لتثبيت الحب. وعندما لا يحصل على ما يتوقعه، يشعر بالخذلان ويغرق في الإحباط.
ما يجعل هذا الدور مدمّراً هو أنه يمنح صاحبه شعوراً زائفاً بالقوة، إذ يبدو كما لو أنه "الأطيب"، "الأكثر عطاءً"، و"الأكثر ألماً"، لكنه في الحقيقة يتجنّب المسؤولية.
لا يقول: "أنا وافقت على هذا الوضع"، بل يقول: "لقد أجبرت على تحمّله". هذا التباعد بين ما يريده فعلاً وما يفعله ظاهرياً يخلق فجوة عاطفية كبيرة.
وهو يدمّر العلاقة للأسباب التالية:
لأن الضحية تميل إلى التلميح بدلاً من التصريح، ولوم الآخر بدلاً من مصارحته، يصبح التواصل مشوشاً.
حين يتكرر استخدام الألم كوسيلة للسيطرة أو لطلب الحب، يتحول الحب إلى عبء.
فيعيش الآخر حالة من الدفاع المستمر أو الشعور بالعجز أمام توقعات لا تنتهي.
لأن الشريك الآخر يبدأ بالتعامل مع الضحية كطفل متقلب أو كشخص يستحيل إرضاؤه.
غالباً ما تكون جذور هذا السلوك ضاربة في التربية المبكرة. تربّينا أحياناً على أن الحب يُنتزع من خلال التضحية والصبر والألم.
وأن الشريك "الطيب" هو من يصمت، ومن يتحمل، ومن يُنكر احتياجاته. هذه الصورة الرومانسية المغلوطة تصنع بالغالب نمطاً مزمناً من العلاقات المختلّة.
الضحية لا تفسد العلاقة لأنّها تعاني، بل لأنها تجعل الألم وسيلتها في التواصل، وتستنزف طاقة العلاقة في تكرار الشكوى والانتظار. أما العلاقات الصحية، فهي تقوم على توازن بين الأخذ والعطاء، على صدق في المشاعر، وعلى الشجاعة في الاعتراف بما نحتاجه حقاً.