هل مرّ عليكِ يوم في العمل كنتِ فيه موجودة بجسدكِ تتابعين تفاصيل اليوم بدقة، تبتسمين وتنجزين المهام وتتجاوبين مع الإيقاع السريع من حولك.
لكن في داخلكِ وكأن هناك شيئا ما يتآكل! شعور خفي لا يمكن الإمساك به بسهولة، يهمس لكِ أن الأمور ليست على ما يرام، وأنكِ لستِ كما كنتِ.
هذا الشعور الغامض الذي يختفي خلف الأداء المثالي قد يكون مؤشرا على ما يُعرف اليوم بـ "الانهيار الهادئ – Quiet Cracking" وهي حالة نفسية صامتة لكنها خطيرة جدًا تظهر في بيئات العمل الحديثة وتختبئ خلف الابتسامات والمواعيد المسلّمة في وقتها.
في زمن تتغير فيه ثقافة العمل بشكل غير مسبوق، أصبح هذا النوع من الانهيار النفسي محط اهتمام الباحثين والمنصات المتخصصة، مثل TalentLMS، التي أطلقت هذا المصطلح لوصف تحدٍّ جديد بدأ يطغى على الموظفين ويستنزفهم من الداخل من دون أن يُلاحظهم أحد.
تخيّلي منطقة رمادية بين الإرهاق التام من العمل والاستقالة الصامتة التي يتراجع فيها الموظف عن بذل أي مجهود. هناك تماماً يبدأ "الانهيار الهادئ" بالتشكل.
لا يأتي هذا الانهيار على هيئة صراخ أو نوبات بكاء ولا على شكل استقالة مكتوبة في عجالة، بل يتسلل كضوء خافت لينمو بداخلك تدريجياً.
في البداية يضعف الحافز ثم يتراجع الرضا الوظيفي ثم يصبح حضوركِ للعمل شكليا فقط حتى وإن كنتِ تُحبين وظيفتكِ. إلا أن شيئا في بيئتها بدأ يخنقكِ.
ووفقا لتعريف منصة TalentLMS، فإن "الانهيار الهادئ" هو "شعور دائم بعدم الرضا في العمل، يؤدي إلى تراجع تدريجي في الأداء وابتعاد عاطفي ورغبة متزايدة في ترك الوظيفة".
إنه ليس كسلا ولا تهاونا بل هو نتيجة طبيعية لتراكمات لم يُصغِ لها أحد مثل شعور بالإهمال وغياب التقدير وانعدام الأفق أو أن تعبكِ لا يُرى.
قد تظنين أن هذه الحالة نادرة أو تخص أشخاصاً بعينهم لكن المفاجأة أنها أكثر شيوعا مما يبدو.
في استطلاع حديث أجرته TalentLMS على 1000 موظف في الولايات المتحدة، أقرّ 54% بأنهم شعروا بأعراض "الانهيار الهادئ"، بينما قال 20% إنهم يعيشون هذا الشعور بشكل مستمر أو متكرر.
هذا يعني أن عدداً كبيرا من الموظفين اليوم يعملون في وضع "النجاة فقط". فهم حاضرون لكن شغفهم غائب وأداؤهم هش وانتماؤهم مهتز.
هذا الانهيار الصامت لا يصيب المتقاعسين أو قليلي الحماسة.. بل يستهدف الذين أحبّوا عملهم وأخلصوا له لكنهم شعروا أن المؤسسة أو الإدارة خذلتهم.
وفي الغالب يكون الضحايا من النساء المتفانيات اللائي يعملن من القلب ولا يطلبن الكثير لكن حين يُهمّش جهدهن أو يُغفل عطاؤهن تبدأ الشقوق بالتكوّن.
وراء هذا الانطفاء البطيء، تقف مشاعر مؤلمة مثل:
ومع مرور الوقت، تبدأ الشرارة بالذبول، لأن الشغف الذي كان يدفعكِ للاستيقاظ إلى العمل بحماس، يبدأ بالانطفاء. لا يختفي فجأة، بل ينسحب على مهل. كما تذوب الشمعة بصمت، وتبقى فقط رائحة الاحتراق في الأجواء.
الاحتراق المهني يُعلن نفسه بوضوح، فهو يتضمن أعراض مثل: تعب وتوتر وإرهاق نفسي وجسدي وربما غياب متكرر.
أما "الانهيار الهادئ"، فهو أشد خبثا إذ يحدث تحت السطح بلا ضوضاء لكنه يُطفئ الحماسة ويُضعف المعنويات ويُفرغ العمل من روحه، ولا يُكتشف إلا بعد فوات الأوان عندما يصبح من الصعب استعادة الروح التي فُقدت.\
تجاوزه ممكن بل ضروري سواء على مستوى الفرد أو المؤسسة. ولكي تُستعاد الروح، يحتاج الموظفون إلى بعض الأسس الإنسانية التي قد تبدو بسيطة، لكنها جوهرية:
"الانهيار الهادئ" ليس مجرد حالة عابرة من الملل أو التوتر بسبب ضغط العمل بل هو جرس إنذار ناعم يقول لكِ بأن هناك شيئاً في داخلكِ ينكسر.
وكنساء نحن نعمل ونحلم ونسعى للأفضل لذا لا بد أن نكون أكثر وعيا بمشاعرنا وأن نطالب ببيئة عمل تُنصت إلينا وتحتفي بنا وترى ما لا يُقال.