كثيرون يربطون "إرضاء الآخرين" باللطف والتعاون وحسن النية، لكن ما لا يُقال كثيرا هو الوجه الخفي لهذا السلوك، حين يتحوّل من رغبة في الانسجام إلى حاجة مُلحّة للقبول الخارجي، حتى لو جاء ذلك على حساب الذات.
بعض الأشخاص يقضون سنوات في دوّامة لا تنتهي من محاولة تلبية توقّعات الجميع، يخافون من خيبة أمل أحد، ويشعرون بالذنب إن قالوا "لا"، ويُنهكون أنفسهم في علاقات غير متوازنة.
في هذا المقال، نستعرض معا علامات هذه الحالة، وكيف يمكن التحرّر منها تدريجيا، لتكون الأولوية لنفسك.
غالبا ما تنشأ عادة إرضاء الآخرين في الطفولة، حين يرتبط الحب أو القبول من الأهل بالسلوك "الجيد" أو المطيع، أو عندما يُكافأ الطفل على تجاهل رغباته لإرضاء الكبار.
هذا التعلّم المبكر يزرع بذرة مفادها: "أنا محبوب فقط إذا كنت مرضيا". ومع الوقت، يُعاد تكرار النمط في المدرسة، العمل، والعلاقات العاطفية والاجتماعية.
هذا النمط من السلوك يستنزف الطاقة النفسية والجسدية. تبدأ بتجاهل احتياجاتك، وتتراكم داخلك مشاعر الاستياء والتعب والخوف من الرفض.
وفي كثير من الأحيان، لا يُقابل هذا الجهد بالتقدير الكافي، ما يخلق فجوة بين ما تقدّمه وما تتلقاه، ويؤدي إلى الشعور بالنقص أو فقدان الهوية.
إليك بعض الخطوات العملية للخروج من دائرة إرضاء الآخرين، وجعل نفسك أولوية:
ابدأ بملاحظة الأوقات التي تقول فيها "نعم" بينما رغبتك الحقيقية هي "لا". دَوِّن المواقف المتكررة التي تشعر فيها بأنك تتنازل عن نفسك.
"لا أستطيع هذه المرة"، "أحتاج بعض الوقت لنفسي"، جُمل بسيطة لكنها تُعيد ضبط الحدود بهدوء ومن دون مواجهة.
في البداية، قد تشعر بالذنب عند وضع حدود، وهذا طبيعي. لكن تذكّر أن مشاعرك لا تعني أنك تقوم بشيء خاطئ.
قبل الموافقة على أي طلب أو قرار، توقف واسأل: هل هذا يناسبني؟ هل أرغب فيه؟ درّب نفسك على الرجوع إلى ذاتك أولًا.
العلاقات التي تعتمد على استجابتك الدائمة دون مقابل، ليست صحية. راجع دوائرك الاجتماعية، وضع حدودا واضحة.
ليس المطلوب أن تكون قاسيا أو أنانيا، بل أن تكون صادقا مع نفسك والآخرين. العلاقات المتوازنة تحتمل الحقيقة، والرفض، والمسافة الآمنة.
التحوّل من إرضاء الآخرين إلى احترام الذات لا يحدث بين ليلة وضحاها. هو تدريب مستمر يتطلّب وعيا، وصبرا، وجرأة. لكن ما ينتظرك على الجانب الآخر يستحق: علاقات أكثر صدقا، طاقة داخلية متجددة، وشعور متين بالقيمة الذاتية لا يعتمد على رضا الآخرين.
أن تضع نفسك في المقدّمة لا يعني أن تكون أنانيا، بل أن تكون منصفا. الرحلة نحو التعافي من إرضاء الآخرين تبدأ بخطوة صغيرة: أن تستمع لصوتك الداخلي، وتثق أنه جدير بالاتباع.