بعض الأخطاء لا تتعدى كونها لحظة نسيان أو قرارًا غير مدروس، لكننا في كثير من الأحيان لا نتعامل معها ببساطة، بل نحولها إلى محاكمة قاسية لأنفسنا، نُصدر فيها أحكامًا لا رحمة فيها، ونُثقل كاهلنا باللوم والخجل والندم.
كيف تتحول زلة بسيطة إلى أزمة داخلية قد تُفسد علينا يومًا كاملًا أو تُضعف ثقتنا بأنفسنا؟ ولماذا نغفر للآخرين بسهولة، بينما نُصرّ على جلد الذات حين نخطئ نحن؟
الكاتبة وعالمة النفس "جونيس ويب" تلفت النظر في مقال نُشر على موقع Psycology Today, إلى جذور هذا الميل القاسي نحو الذات، وتربطه بمفهوم "الإهمال العاطفي في الطفولة"، حيث يكبر الإنسان دون أن يتعلم كيف يتعرّف على مشاعره أو يعبّر عنها أو يُديرها.
في هذا السياق، يصبح الخطأ أكثر من مجرد موقف يمكن تجاوزه، بل يتحوّل إلى تهديد لهويتنا وقيمتنا الذاتية.
في هذا المقال، نغوص في أعماق هذا النمط السلوكي الذي يعاني منه كثيرون دون وعي، ونكتشف خطوات عملية تساعد على التحرر منه، عبر مفهوم أسمته الكاتبة بـ"المسؤولية المتعاطفة" — نهج يعيد تعريف العلاقة بيننا وبين أخطائنا، ويمنحنا مساحة للتعلّم والنمو دون إيذاء الذات.
جميع البشر يرتكبون الأخطاء بشكل يومي، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. إنها سمة أساسية من طبيعتنا البشرية، ومعظمها يمكن تصحيحه أو تجاوزه بسهولة. لكن المشكلة تظهر عندما نمنح هذه الأخطاء سلطة غير مبررة على مشاعرنا وتقديرنا لذاتنا.
غالبًا ما نشعر بأننا الوحيدون الذين نرتكب الهفوات؛ لأن الآخرين لا يتحدثون عن أخطائهم اليومية بصراحة؛ ما يعزز لدينا الشعور بالذنب أو العار أو النقص.
يشير علماء النفس إلى أن الأشخاص الذين نشأوا في بيئة لا يتم فيها الاعتراف بمشاعرهم أو احتضانها غالبًا ما يكبرون وهم غير مدرّبين على التعامل مع مشاعرهم الداخلية. ومع مرور الوقت، يصبحون أكثر عرضة لمهاجمة أنفسهم عند حدوث أي خطأ.
السبب في ذلك بسيط: المشاعر غير المعالجة تكتسب قوة أكبر من تلك التي يتم ملاحظتها وفهمها والتعامل معها بوعي.
ومع كل خطأ، تتراكم مشاعر الخوف أو الخزي أو الفشل، فتتحوّل إلى عبء نفسي قد يطغى على الحياة اليومية.
مفهوم "المسؤولية المتعاطفة" هو أسلوب يساعدك على التعامل مع الأخطاء دون قسوة أو جلد ذات. يتكوّن من ثلاث خطوات بسيطة لكنها فعالة:
اعترف بما حدث وذكّر نفسك بأنك إنسان، وأن الخطأ لا يجردك من قيمتك. قل لنفسك: "ارتكبت خطأً، وسأتحمل مسؤوليته، وسأتعلم منه."
اسأل نفسك بهدوء: كيف حدث هذا الخطأ؟ ما الدور الذي لعبته؟ وما العوامل الخارجة عن إرادتك؟ هذه المراجعة الهادئة تساعدك على فهم السياق دون أن تقع في فخ اللوم الذاتي.
ابحث عن الدرس المستفاد من التجربة. ما الذي يمكن تغييره في المستقبل؟ كيف تتفادى تكرار الأمر؟ بمجرد أن تجد هذه الإجابات، امنح نفسك الإذن بترك الخطأ خلفك.
من يتقنون فن التعامل مع أخطائهم لا يتهربون منها، ولا يخفونها، ولا يسمحون لها بتدمير عطلة نهاية الأسبوع أو علاقاتهم أو نظرتهم لأنفسهم. بل يتعاملون معها كجزء طبيعي من مسيرة النمو والتعلّم.
ومن المفاجآت التي قد لا تدركها، أن هذه العملية لا تتعلق فقط بالأخطاء، بل ترتبط أيضًا بتعلّم مهارة جوهرية في الحياة: فهم مشاعرك، الاعتراف بها، وإدارتها بوعي. وإن لم تتعلّم هذه المهارة في طفولتك، لا بأس. لا يزال الوقت متاحًا لتبدأ اليوم.