في عالم يتباهى بالإنتاجية وسرعة الإنجاز، باتت عقارب الساعة لا تُخبرنا فقط عن الوقت، بل تتحكّم في مشاعرنا، علاقاتنا، وحتّى مدى قدرتنا على الإحساس بالحياة.
هذا ما يتناوله الطبيب النفسي ميتشل بي. ليستر في مقاله العميق على موقع Psychology Today، حيث يكشف عن الثمن الخفي الذي ندفعه لقاء تعلّقنا المفرط بفكرة "إدارة الوقت".
لا يتعلّق الأمر فقط بتكدّس المهام أو ازدحام الجداول، بل بنوع جديد من القلق يسميه علماء النفس "القلق الزمني"؛
وهو شعور مستمر بأن الوقت ينفد، وبأننا دائما متأخّرون، مهما أسرعنا. هذا القلق يُربك تركيزنا ويمنعنا من التواجد الحقيقي في اللحظة، إذ نجد أنفسنا في حالة دائمة من التشتّت بين ما فات وما هو آتٍ.
في بيئة تُقاس فيها كل لحظة بالعائد والفائدة، يصبح الوقت "رأس مال"، ونبدأ في تقييم علاقاتنا من منظور الجدوى:
هل هذه المحادثة تستحق وقتي؟ هل هذا الشخص فعّال بما يكفي؟
ومع هذه الحسابات، يتراجع الدفء الإنساني، ويُغلق القلب شيئا فشيئا أمام التعاطف والاتصال الحقيقي.
يرى الدكتور ليستر أن تعلّقنا بالوقت ينبع من وهم السيطرة. فنحن نظن أننا إذا خططنا لكل شيء وأحكمنا تنظيم أيامنا، سنصبح أكثر أمانا.
لكن الحقيقة أن هذه الرغبة في التحكم تُغلق الأبواب أمام العفوية، وتزيد من قلقنا بدلًا من تقليله.
والأسوأ أن الحاجة الدائمة للضبط والدقة تجعلنا أقلّ تعاطفا، وأقلّ انفتاحا على الآخر.
وفقا للمقال، فإن الانشغال الزائد بالوقت يؤثر على عدة جوانب من حياتنا النفسية:
يؤكد المقال أن العلاقة مع الوقت ليست فطرية بل مكتسبة، ويمكن إعادة تشكيلها. ومن أبرز الوسائل التي تساعد في ذلك:
يساعد على تغيير إدراكنا للوقت، ويمنحنا شعورا بالوفرة الزمنية بدلا من الندرة.
المشي في الغابات أو الجلوس قرب البحر يعيد لنا الإحساس باللحظة، ويزيد من تعاطفنا مع الآخرين.
تقليل تفقد الهاتف والساعة يقلل من التوتر ويحسّن جودة علاقاتنا.
أي الشعور بأن لدينا "ما يكفي" من الوقت، والذي ثبت ارتباطه برفاهية نفسية أعلى وتواصل أعمق مع المحيطين.
في الختام، يدعونا الدكتور ليستر للتفكير بشكل مغاير: ماذا لو لم يكن الوقت شيئا نُديره، بل تجربة نعيشها؟
حين نُخفف من تعلّقنا بالساعة، نمنح أنفسنا فرصة أن نشعر، أن نستمتع، أن نحب. فربما لم يكن الهدف من الوقت أن نوفّره، بل أن نحياه.