أشعلتِ الشمعة، احتسيتِ الماتشا، حجزتِ جلسة التدليك. ورغم كل ذلك ما زلتِ تشعرين بالتعب، بالضيق، والفراغ.
هذه ليست مشكلة في روتينك، بل في فكرة الرعاية الذاتية كما تُروّج لها اليوم.
العناية الذاتية لم تكن يومًا مَرهمًا يُسكّن جراح الحياة، بل كانت طريقًا لحماية الذات من الانهيار. لكن عندما نستخدمها كأداة لتجميل نمط حياة لا يحتمل، تتحول من ملاذ للراحة إلى وسيلة للإنكار.
تقدّم لنا صناعة "الرفاهية" اليوم حلًّا سريعًا لكل وجع: قناع وجه للضغط، حمام ساخن للإرهاق، دفتر تأمل للقلق.
لكن ماذا لو لم يكن الإرهاق ناتجًا عن قلة استرخاء، بل عن حياة مليئة بالمبالغة، الكمالية، والتنازلات المستمرة عن النفس؟
تشرح الباحثة النفسية جين فيو (Veilleux, 2023) أن استخدام الطقوس البسيطة لتجاوز فترات ضاغطة أمر مفهوم، لكن الخطر يكمن عندما تتحول هذه الطقوس إلى غطاء دائم لأسلوب حياة يحتاج تغييرًا جوهريًّا، لا تهدئة مؤقتة.
كثيرون منا يحاولون التغلّب على الإرهاق البنيوي في حياتهم عبر "العناية الذاتية الشخصية" مثل الرياضة أو التأمل أو الكتابة. لكننا نُهمل جانبًا أهم: "العناية المهنية" التي تعني وضع حدود، قول "لا"، والمطالبة بحقوقنا.
وقد أشارت دراسة (Bressi & Vaden, 2017) إلى أن خلط هذين النوعين من العناية يجعلنا نحمّل أنفسنا مسؤولية الإرهاق المهني، في حين أن السبب الحقيقي هو غالبًا الضغط، لا نقص في عدد جلسات اليوغا.
روتينٌ صباحي مهما كان مثاليًّا لن يصلح عملًا يستنزف روحك، أو جدولًا مفصّلًا على مقاس توقعات الآخرين، أو شخصية تربّت على "قول نعم" مهما كان الثمن.
قبل أن تضيفي طقسًا جديدًا إلى جدولك، توقفي واسألي:
"ما الذي أحاول إصلاحه حقًّا؟"
إذا كان الجواب: "أحتاج إلى ساعتين من الانفصال النفسي لأتمكن من تحمّل يوم عملي"، فهذه ليست دعوة لجلسة تدليك، بل إنذار لوجوب التغيير.
هل تعيشين حياة تُشبهك فعلًا؟ أم أنك تمشين وفق ما يُتوقع منك؟ راجعي التزاماتك، واسمحي لنفسك بإعادة تعريف الأولويات.
بدلًا من تهدئة الضغط المزمن، اسألي: من أين يأتي؟ هل حان وقت التفويض؟ أو حتى الاستقالة؟ لا بأس أن تسقط بعض الكرات من يديك عمدًا.
العناية الذاتية الحقيقية ليست منتجًا، بل موقف. هي حماية وقتك، طاقتك، وحدودك. هي قول "لا" من دون شعور بالذنب، وأخذ مساحة من دون تبرير.
حين يُستخدم مفهوم العناية الذاتية كضمادة لحياة تُرهقك، يصبح بلا جدوى. وربما تكون أصدق أشكال العناية الذاتية أن تقولي لنفسك: "يكفي. آن الأوان أن أعيش على مقاسي، لا على مقاس التوقعات".
العناية الذاتية ليست عدوًّا، لكنها ليست الحل السحري أيضًا. إذا وجدتِ نفسكِ عالقة في دوامة من الطقوس التي لا تُشعرك بالراحة، فربما آن الأوان لتسألي:
"هل أحتاج إلى مزيد من الراحة؟ أم إلى تغيير جذري في ما أتحمّله يوميًّا؟"
أحيانًا، الشجاعة ليست في إضافة طقس جديد، بل في الاعتراف بأن النظام كله يحتاج مراجعة.