في عالم يمتلئ بالمشتتات والضغوط، يبدو القلق لدى الأطفال والمراهقين وكأنه صار سمة من سمات الطفولة الحديثة.
لكن ما لا يعرفه كثير من الأهل أن التدخل المبكر، خاصة عبر العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، لا يخفف الأعراض فقط، بل يُعيد تشكيل طريقة عمل الدماغ فعلياً.
في دراسة حديثة أجراها "المعهد الوطني للصحة النفسية" عام 2024، تبيّن أن الأطفال الذين خضعوا للعلاج السلوكي المعرفي لمدة 12 أسبوعاً، أظهروا انخفاضاً واضحاً في نشاط مناطق الدماغ المرتبطة بالخوف والتفكير الزائد، مثل اللوزة الدماغية والفص الجبهي.
لكن ما بين الجلسات العلاجية، هناك دور بالغ الأهمية يمكن أن يؤديه الوالدان: عبر استخدام لغة يومية هادئة وواعية تعزز ما يتعلمه الطفل في العلاج.
يُعد العلاج السلوكي المعرفي من أكثر الأساليب فعالية في التعامل مع قلق الطفولة، خاصة عندما يُطبّق في سن مبكرة وبقيادة متخصصين.
لكن فاعلية هذا النوع من العلاج لا تقتصر على غرفة المعالج، بل تمتد إلى البيت، حيث يتلقى الطفل الرسائل النفسية من والديه.
ببساطة، عندما يتحدث الأهل بلغة هادئة ومدروسة، فهم لا يطمئنون الطفل فحسب، بل يساعدونه على تهدئة دماغه أيضاً.
إليك خمس كلمات يستخدمها الأخصائي النفسي الأمريكي د. جيفري بيرنستين لمساعدة الأطفال على التعامل مع القلق. هذه الكلمات البسيطة مُستوحاة من تقنيات العلاج السلوكي المعرفي ويمكن للأهل دمجها في الحوارات اليومية بسهولة:
اطلب من الطفل أن يُسمّي مشاعره أو مخاوفه: هذا قلقي من الامتحان أو هذا صوت الخوف في رأسي.
التسمية تُخفف من حدة الشعور وتُعطيه إطاراً مفهوماً.
سؤال بسيط مثل: ما الذي قد يكون صحيحًا أيضًا؟ يساعد الطفل على كسر أنماط التفكير الأسود والأبيض. فالتفكير المرن يقلل من فوضى القلق.
علّم الطفل التوقف، أخذ نفس عميق والزفير ببطء. تهدئة الجسد تسبق تهدئة العقل، والتنفس هو المفتاح.
اسأل: ما الدليل على هذا الخوف؟ هذه الخطوة تساعد الطفل على التحقق من صحة أفكاره بدلاً من الانجراف خلفها.
ما الخطوة الصغيرة التي يمكن أن أقوم بها الآن؟ تشجيع الطفل على اتخاذ خطوة واحدة، مهما كانت بسيطة، يقلل من طغيان المشاعر ويزيد شعوره بالتحكم.
لا يحتاج الطفل إلى كلمات مثالية بقدر ما يحتاج إلى تكرارها بثبات وشعور بالأمان.
عندما يعتاد على سماع هذه الكلمات من والديه، يبدأ بتبنيها في داخله، مما يُعزز مرونته النفسية ويساعده على التعامل مع مشاعره بوعي.
د. بيرنستين يؤكد أن هذه الكلمات تم تضمينها في كتيب علاجي موجه للمراهقين الذين يعانون من القلق والاكتئاب والغضب، وقد تلقى الكثير من التغذية الراجعة الإيجابية من أولياء الأمور الذين لاحظوا فرقاً في سلوك أطفالهم بعد اعتماد هذه الطريقة.
إن كلماتك أقوى مما تظن. حتى لو لم يخضع طفلك للعلاج بعد، يمكنك بدء رحلته نحو التوازن العاطفي اليوم.
خمس كلمات فقط، متى ما تكررت بلطف وثبات، قد تعيد برمجة دماغ صغير يميل إلى القلق، وتمنحه شعورًا بالأمان الداخلي والقدرة على المواجهة.