في عالم سريع الإيقاع تحكمه الترندات ووسائل التواصل، يواجه الأطفال تحديا كبيرا للحفاظ على هويتهم الحقيقية وسط سيل من المؤثرات الخارجية. من الإعلانات التي ترسم لهم ما يجب أن يحبوه، إلى ضغط الأصدقاء الذي يحدد ما ينبغي أن يفعلوه، يصبح من السهل على الصغار أن يفقدوا البوصلة التي توجههم نحو خيارات أصيلة تتماشى مع قيمهم.
هنا يبرز دور الأهل في غرس إحساس قوي بالذات لدى أبنائهم، ليكونوا قادرين على اتخاذ قراراتهم بثقة، ورفض ما لا يناسبهم، من دون أن ينجرفوا وراء رغبة في إرضاء الآخرين أو الخوف من مخالفة السائد.
تربية الأطفال بهذه الطريقة ليست مجرد إعدادهم لمهن ناجحة، بل لتمكينهم من أن يكونوا قادة في حياتهم وعلاقاتهم، يعرفون من هم، وما يريدون، ويستطيعون الوقوف بثبات في مواجهة التحديات.
الأطفال الذين يملكون هذا الوعي يعيشون حياة أكثر حرية وسعادة، لأنهم أقل عرضة للانجراف وراء آراء الآخرين أو الانسياق وراء الترندات الضارة، كما أن وضوح الهوية يعزز من جودة العلاقات؛ لأنها تصبح مبنية على الصدق والانسجام، لا على محاولة التكيف أو إرضاء الآخرين.
يبدأ الأمر من الأهل. الأطفال يلاحظون ما نفعله أكثر مما يسمعونه منا. إذا كنا نتأثر بسهولة بآراء الآخرين أو نفتقر للوضوح في قيمنا، فسوف يتبنون ذلك.
كوني واضحة في مبادئك وتصرفاتك، واظهري لهم كيف تحافظين على قناعاتك مع الانفتاح على الآخرين.
بدلا من إعطاء الإجابات الجاهزة، اطرحي أسئلة تدفعهم للتفكير: ما الذي تراه مناسبا لك؟ أو ما الأهم بالنسبة لك في هذا الموقف؟ هذه الطريقة تطور لديهم مهارات التفكير النقدي واتخاذ القرار.
عند إنجازهم لأي مهمة، بدلا من الاكتفاء بقول أحسنت، اسألي: كيف تشعر بشأن ما أنجزته؟ أو ما أكثر ما تفخر به؟. هذا يساعدهم على تكوين شعور داخلي بالإنجاز، بعيدا عن الاعتماد المفرط على المديح الخارجي.
الفشل جزء أساسي من التعلم. حمايتهم الزائدة من الأخطاء تحرمهم من فرص تطوير المرونة وحل المشكلات. كوني داعمة عند الإخفاق، ووجهيهم للمحاولة مجددا بأسلوب مختلف.
الحدود الصحية مؤشر على قوة الشخصية. احترمي مساحتهم الخاصة، سواء كانت حاجتهم للهدوء أو رفضهم المشاركة في نشاط معين. بذلك يتعلمون أن أصواتهم واحتياجاتهم لها قيمة.
اجعلي الحوار حول ما يواجهونه عادةً، سواء كان خبرًا، أو موقفًا في المدرسة، أو حتى ظاهرة على وسائل التواصل. شجعيهم على تحليل ما يرونه وتكوين وجهة نظرهم الخاصة.
الأطفال الذين يتمتعون بإحساس قوي بالذات يكونون أكثر قدرة على مواجهة الضغوط، وأكثر حذرا من السلوكيات الضارة، وأقدر على بناء علاقات صادقة. الهدف ليس جعلهم مستقلين لدرجة العزلة، بل إعدادهم ليكونوا متصلين بالآخرين من موقع قوة وثقة.
عندما نمنح أطفالنا هذه المهارة، فنحن لا نربيهم فقط ليكونوا أفرادا ناجحين، بل لنكون شهودا على نشوء جيل من القادة الحقيقيين.