هي ابنة المسرح التونسي، سافرت من شغفها الأول في الورشات المسرحية إلى أضواء القاهرة ودمشق، فنسجت لنفسها مسارًا فنيًا بملامحها الخاصة. عائشة بن أحمد ليست فقط ممثلة لامعة في الدراما العربية، بل هي أيضًا صوتٌ إنساني لا يهدأ في الدفاع عن قضايا تؤمن بها، من حقوق الحيوان إلى صدق الفن.
في هذا الحوار الخاص مع موقع "فوشيا"، تتحدث عائشة عن محطاتها المفصلية، وعن دورها في مسلسل "الغاوي"، وتجربتها في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي، وعلاقتها بالحيوانات والرياضة، ورؤيتها لصورة المرأة في الدراما، كما تكشف لنا ملامح شخصيتها بعيدًا عن الكاميرا... ببساطتها، وطفولتها، وتناقضاتها التي تحتضنها بكل حب.
شغفي بالتمثيل بدأ فعليًا عندما التحقت بعدة ورشات مسرحية في تونس. هناك اكتشفت غرامي الحقيقي بهذه المهنة، ومع كل تجربة، كنت أزداد تعلقًا بها.
أول من شجعني على دخول المجال هو المخرج التونسي الكبير النوري بوزيد. أما أول من آمن بموهبتي خارج تونس فكان المخرج السوري جود سعيد، وفي تونس قدّم لي الدعم المخرج محمد دمق. بدأت أولى تجاربي خارج تونس مع جود سعيد، ثم عدت وقدّمت عملي الثاني محليًا مع المخرج محمد دمق، الذي فتح لي الأبواب في بلدي.
كانت أول تجربة لي خارج تونس، وشعرت وقتها بالرهبة لأنني لم أكن في بيئتي المعتادة. لكن بفضل تعامل المخرج جود سعيد المريح، استطعت تجاوز الرهبة بسرعة. في الواقع، لا زلت أشعر بالرهبة إلى اليوم في كل أول يوم تصوير من أي عمل جديد.
نظرتي للمهنة لم تتغيّر كثيرًا. في البدايات كنت أراها بكثير من الإعجاب، واليوم ما زال الإعجاب نفسه موجودًا، لكن مع نضج أكبر وحرص على أن تظل قدماي ثابتتين على الأرض.
أُتيحت لي الفرصة الأولى أثناء تصويري لفيلم "عزيز روحو" في تونس، حيث تواصلوا معي بخصوص مسلسل "ألف ليلة وليلة". في الحقيقة لم أكن أبحث عن هذه الخطوة، بل كانت صدفة جميلة.
كنت في البداية أقيم لفترات قصيرة، لكن تصوير "بدون سابق إنذار" كان مرهقًا، وقررت أن أستقر لفترة أطول في مصر. بدأت أكتشف الحياة فيها وأتعرّف على الناس والأماكن. لا أعتبره نقطة تحوّل، بل قرار شخصي لتغيير نمط حياتي بعد عمل شاق.
بعد مسلسل "بدون سابق إنذار"، شعرت برغبة في خوض تجربة مختلفة وتقديم دور خفيف وأقرب إلى الأعمال اللايت، مقارنة بما قدمته سابقًا. عُرض عليّ مسلسل "الغاوي"، وبما أنني أحب أسلوب محمد مكي، وكنت أتطلع للعمل معه، وجدت أن هذا المشروع مناسب، خاصة وأنه مختلف تمامًا عن تجاربي السابقة...
كل دور جديد يتطلب تحضيرًا خاصًا، بغض النظر عن طبيعته أو حجمه؛ لأن لكل شخصية متطلباتها وتفاصيلها التي تستحق الاهتمام.
ليست هذه المرة الأولى التي أقدّم فيها عملًا تاريخيًا أو أتحدّث فيه بالفصحى، لكن تجربة "معاوية" كانت مختلفة وصعبة، لأنني لا أشعر فيها بالراحة نفسها التي أجدها عند التمثيل باللهجة المصرية أو التونسية. حتى الفصحى المستخدمة في هذا العمل تختلف كثيرًا عن تلك التي قدمتها مثلا في فيلم "أوغسطينوس ابن دموعها"، سواء في النبرة أو مخارج الحروف؛ ما تطلّب مني تركيزًا وجهدًا مضاعفًا، والعمل مع المخرج طارق العريان كان ممتعًا كعادته، فقد جمعتنا تجربة سابقة، وسعدت كثيرًا بالتعاون معه من جديد. صحيح أنني شاركت كضيفة شرف، لكنها كانت تجربة مختلفة ضمن مسيرتي الفنية.
بكل تأكيد، أحب الأعمال التاريخية جدًا، لأنها تتيح لي السفر عبر الزمن والعيش في عصور لم أعشها. وهذا من أجمل ما تمنحنا إياه هذه المهنة.
هذه هي المرة الثانية التي أشارك فيها في لجنة تحكيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وفي هذه المناسبة كنت عضوًا في لجنة تحكيم المسابقة الدولية. كانت تجربة غنية ومفيدة للغاية. بشكل عام، أحرص على حضور فعاليات المهرجانات السينمائية، حتى عندما لا أكون ضمن لجنة التحكيم، لأنني أعتبرها فرصًا ثمينة لمشاهدة أفلام لا تتوفر إلا في مثل هذه المناسبات، بالإضافة إلى استمتاعي بسحر السينما وروعتها. أما بصفتي عضو لجنة تحكيم، فتزداد المسؤولية، إذ لا يمكنني مشاهدة الأفلام كمشاهد عادي، بل أتابعها بانتباه شديد حتى لا أغفل أي تفصيل وأحكم بإنصاف على الأعمال المشاركة. وفي النهاية، كانت هذه التجربة مفيدة جدًا ومثرية على جميع الأصعدة.
كما ذكرت، ليست هذه المرة الأولى التي أشارك فيها في لجان التحكيم، فقد شاركت أيضاً في لجان تحكيم مهرجانات أخرى إلى جانب مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. مشاهدة الأفلام، سواء في قاعات السينما أو في المنزل أو أثناء حضور المهرجانات، تساهم في تغيير رؤيتي للأعمال كممثلة، كما تطور قدرتي على التحليل وتنمية الحس النقدي، وكل ذلك يثري معرفتي ويعزز خبرتي في هذا المجال.
أعتقد أن صورة المرأة قد تطورت وأصبحت أكثر قربًا من الواقع، حيث تجاوزت الصور النمطية التقليدية التي كانت تركز على المرأة كضحية أو مجرد رمز للأنوثة. هناك الآن وعي نقدي متزايد لدى الجمهور وصناع الأفلام؛ ما ساهم في تجسيد شخصيات نسائية أكثر تعقيدًا وواقعية وثراءً، وهذا تطور إيجابي يعكس تنوع وتجذر الأدوار التي تقدمها المرأة في الدراما العربية.
أرى أن وجود الحيوانات في حياتنا ضروري للغاية، ولا أستطيع تخيل العيش في منزل يخلو منها. فهي تمنحني الشعور بالراحة و"الونس"، وتقدم حبًا غير مشروط يملأ قلبي فرحًا كلما عدت إلى بيتي.
أنا أشارك باستمرار في حملات توعوية منذ سنوات، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو من خلال البرامج التلفزيونية والإذاعية. قضية الرفق بالحيوان والدفاع عن حقوقهم هي قضية أؤمن بها بشدة، وسأواصل النضال من أجلها طوال حياتي.
الرياضة بالنسبة لي ليست مجرد نشاط، بل أسلوب حياة أساسي. أحيانًا أضطر للتوقف مؤقتًا بسبب انشغالات التصوير، لكنني أحرص دائمًا على العودة إليها فور انتهاء عملي، لأنها ضرورة لا غنى عنها. في ظل الضغوط اليومية، تعتبر ممارسة الرياضة أو المشي لمدة ساعة يوميًا من الأمور المهمة للحفاظ على الصحة. مع مرور الوقت، ندرك أكثر أهمية الرياضة في حياتنا، حيث يتضح الفرق بين الشخص الرياضي وغير الرياضي. لذلك، أشجع الجميع على تبني الرياضة منذ الصغر لتصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتهم، فهي مفتاح الصحة الجسدية والنفسية والعقلية.
عندما أشعر بحاجة إلى استراحة، يكون أول ما أفعله هو زيارة عائلتي وأحبائي. وفي مصر أحيانًا أفضل البقاء في منزلي مع قططي، ولا أشعر بالملل أبدًا. أخصص وقتًا للطهي، وأشاهد الأفلام، وأمارس الرياضة في البيت؛ ما يمنحني راحة وسعادة كبيرة.
في مجالنا، تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والعاطفية ليس أمرًا سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا أيضًا. فهو يتطلب مجهودًا وشيئًا من الذكاء للوصول إلى معادلة تُرضي الطرفين. وبما أنني لست متزوجة، لا أعتبر نفسي الشخص الأنسب لتقديم نصائح حول هذا الموضوع.
أعمل على مشروع جديد لا يزال في مراحله الأولى. سأكشف عنه في الوقت المناسب.
أنا إنسانة بسيطة جدًا، أشياء بسيطة قد تفرحني، وأشياء بسيطة أخرى قد تزعجني وتبكيني. أرى نفسي طفلة في كثير من الأحيان، وما زلت محتفظة بطباع الأطفال. أحيانًا أشعر أنني ذكية جدًا، وأحيانًا أخرى أرى نفسي ساذجة. أنا مليئة بالتناقضات، لكن في النهاية، أعيش ببساطة وصدق، وهذه أنا.
أود أن أتوجه بالشكر إلى الجمهور الذي لا أعتبره مجرد متابع، بل شريك حقيقي في رحلتي الفنية. دعمه وحضوره كانا دائمًا مصدر قوة وإلهام بالنسبة لي. وأعده بأن أبقى وفية لما أقدمه، صادقة في اختياراتي، وألا أشبه إلا نفسي.