يسعى الجميع إلى علاقة تمنحهم تواصلاً عميقاً، وحبّاً صادقاً، وسعادة دائمة، ورفقة حقيقية. لكن لا يعني كل ارتباط بالضرورة الوصول إلى هذه الغاية المنشودة.
قد يكون هناك من خرج لتوّه من تجربة عاطفية مؤلمة مع شخص أحبه بصدق، ليجد نفسه الآن وحيداً، منهكاً، يتساءل: من أين يمكن أن يبدأ من جديد؟ هذا أمر مفهوم ومتكرر.
كثيرون نجحوا في التعافي من علاقات ماضية أعاقتهم عن خوض تجارب جديدة صحية، بعد أن تعلّموا منح الأولوية لأنفسهم، عبر ما يُعرف بـ"مواعدة الذات أولاً"، لتجنّب تكرار الأخطاء العاطفية ذاتها.
من الطبيعي أن تنشأ رغبة في العودة إلى الحياة العاطفية بعد المرور بأوقات صعبة. لكن من المهم طرح هذا السؤال على النفس:
هل هذا هو الوقت المناسب فعلاً؟ أم أن هناك حاجة أولاً إلى التئام داخلي؟
المرور بتجارب مؤلمة يستنزف الطاقة ويُشعر الشخص بالتشتت. لكن التوقف قليلاً للتأمل الذاتي قد يكشف ما يحتاج إلى شفاء عميق.
قد يُلاحظ البعض انجذابهم المتكرر إلى شركاء غير متاحين عاطفياً. بدلاً من الحكم على الذات، من المفيد التساؤل:
ما الذي يدفعني إلى تكرار هذا النمط؟ وما هي الخيارات التي أوصلتني إلى هذه النقطة؟
منح النفس شيئاً من التعاطف، مع التحلي بالصبر تجاه الذكريات والمشاعر العميقة، يمهّد الطريق نحو السلام الداخلي.
عندما يُعترف بالألم وتُمنح رحلة الشفاء الأولوية، تبدأ الخطوات الحقيقية نحو التعافي.
الكثيرون ممن مروا بهذه التجارب حاولوا كبت الألم من خلال الانشغال المفرط، أو الطعام، أو حتى تجاهل مشاعرهم.
لكن ما يُقاوم... يستمر. مواجهة المشاعر لا يعني الغرق فيها، بل التحرر منها.
سواء من خلال العلاج النفسي، أو التأمل، أو التمارين الرياضية، أو حتى الكتابة، من المفيد إيجاد الطريقة المناسبة للتعامل مع الألم.
ومن الوسائل القوية: كتابة رسالة "التحرر"، يُدوَّن فيها كل ما يؤلم، من مخاوف وندم وأمنيات.
وبعد الانتهاء منها، يمكن تمزيقها أو حرقها بأمان، كرمز لإطلاق سراح الحزن والاستعداد لبدايات جديدة.
الشفاء ليس طريقاً مستقيماً. ومن المهم منح النفس الوقت؛ لأن الحياة الأخف من أثقال الماضي تستحق الانتظار.
الجميع يشعر بالغضب أو الإحباط في أوقات مختلفة، لكن الانفجار العاطفي لا يُصلح شيئاً.
من الأفضل التراجع خطوة، أخذ نفس عميق، والسماح للمشاعر بالمرور من دون إصدار أحكام.
غالباً ما تُكتسب الأنماط العاطفية من بيئات النشأة.
من نشأ في أجواء تكبت المشاعر أو تخلط بين الحب والسيطرة، قد ينقل تلك الأنماط إلى علاقاته لاحقاً، من دون وعي.
التجنب، العدوانية السلبية، الانسحاب، أو التصعيد... كلها ردود أفعال ناتجة عن نقص في مهارات التواصل.
لكن لا أحد "مكسور" أو "غير قابل للإصلاح". كل ما يلزم هو عقل منفتح وأدوات جديدة.
فالحب قد يظهر حين يكون الشخص أكثر وعياً، لا حين يكون "مثالياً".
والأهم من ذلك: لا ينبغي النظر إلى العناية بالنفس كرفاهية... بل كوسيلة للبقاء.
قد يستغرق الأمر وقتاً، وقد تمر لحظات من التباطؤ، لكن ذلك لا يعني التراجع.
وكما تقول الحكمة: "استغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى أتوقف عن رؤية نفسي بعيون الآخرين."
حين تُرى النفس بوضوح، وتبدأ من جديد بشروط جديدة، يكون قد وُضع أول حجر في بناء علاقة صحية... مع الذات أولاً، ثم مع الآخرين.