header-banner
علاقات

جرح الأم لدى الرجل.. حين تخدش العلاقة الأولى كل ما بعدها

علاقات
إيمان بونقطة
8 مايو 2025,10:00 ص

لا أحد يخرج من طفولته سالماً تماماً، لكن حين يكون الجرح من الأم، فإن الندبة غالبا ما تظلّ طيّ الخفاء، تتحرّك في الظلّ، وتشكّل ملامح الرجولة والعلاقات دون وعي.

فقد ثبت في العديد من الأبحاث النفسية أن نوع العلاقة بين الطفل وأمه لا يترك أثره فقط على سنوات الطفولة، بل ينعكس على طريقة هذا الطفل – حين يكبر – في الحب، والغضب، والثقة، والارتباط.

و"جرح الأم" ليس مجرد عنوان مجازي؛ بل هو مصطلح يُستخدم في علم النفس للإشارة إلى الألم العاطفي الذي يخلّفه غياب الحب، أو القسوة، أو الإهمال العاطفي من الأم تجاه طفلها الذكر، سواء عن قصد أو من دون وعي.

ما هو جرح الأم؟

40f8de10-7af1-46c0-be8c-08c6488040d2

يتشكّل هذا الجرح عندما تكسر الأم الرابط العاطفي الأساسي الذي يُفترض أن يُشعر الطفل بالأمان، عبر سلوكيات مثل:

  • الانتقاد المستمر أو التحقير من المشاعر
  • التجاهل أو البرود العاطفي
  • التعلّق المرضي بالأم أو السيطرة الزائدة
  • جعل الطفل محور احتياجاتها النفسية بدل العكس
  • التذبذب بين الحب والنبذ

هذه الأنماط تزرع في الطفل إحساساً مزمنًا بأنه "غير كافٍ"، أو أنه يجب أن يستحق الحب عبر الأداء، أو أنه يجب أن يكون حذراً في علاقاته، لأن الحب قد يُسحب في أي لحظة.

حين يكبر الطفل الجريح: كيف يؤثر ذلك على علاقته العاطفية؟

عندما يدخل الرجل الجريح بعلاقته مع أمه في علاقة حب أو زواج، غالبًا ما تظهر آثار تلك الجروح في شكل سلوكيات يصعب تفسيرها على السطح:

  • الخوف من التقرّب العاطفي: يتردّد في الانخراط الكامل؛ لأنه يربط الحميمية بالألم أو الرفض.
  • الانسحاب عند الأزمات: يتراجع إلى قوقعته بدل المواجهة، لأنه لم يتعلّم أن الحب يستمر رغم الخلافات.
  • محاولة إرضاء الشريكة بإفراط: تعويضاً عن عجزه في إرضاء أمه أو كسب رضاها.
  • الغضب المفاجئ وغير المبرر: غالباً ما يكون تعبيرًا غير مباشر عن ألم قديم لم يُعالج.
  • المثالية الزائفة أو التوق للكمال: ظنّاً منه أن الحب يُمنح فقط عند النجاح.

أخبار ذات صلة

الانسحاب بلطف من العلاقات العاطفية دون جرح الآخر

متى تدرك الشريكة أن الرجل الذي تحبّه يحمل هذا الجرح؟

قد لا يقول ذلك صراحة، وقد لا يعرفه هو بنفسه. لكن بعض العلامات تُشير إلى هذا الجرح:

  • تذبذب في المشاعر دون سبب واضح
  • ردة فعل مبالغ بها على مواقف بسيطة
  • حساسية مفرطة تجاه النقد
  • قلق مستمر من الهجر أو الفقد
  • علاقة متوترة أو مقطوعة مع والدته

وإذا كانت الشريكة نفسها قوية الحضور عاطفياً، أو تمثّل له نموذجاً نسائياً مستقلاً، فقد يرفضها من حيث لا يدري، لأنها تذكّره بوجع قديم.

d9f985d0-f565-46a8-a2a8-d55f2ab6ddcd

لماذا يبحث بعض الرجال عن صورة "الأم" في الشريكة؟

لأن العلاقة الأولى التي عرفها مع أنثى – الأم – كانت مؤلمة أو غير مكتملة. فيحاول لاشعوريًا إعادة إنتاج السيناريو القديم مع شريكته، علّه هذه المرة "ينقذ" الطفل الذي كانه.

هو لا يبحث عن امرأة، بل عن حنان، عن تصديق أنه محبوب رغم عيوبه، عن لمسة لم ينلها صغيرًا.

لكن المشكلة أن الحبيبة ليست مربيّة، ولا تستطيع أن تملأ فراغًا عمره سنوات.

كيف تكتشف المرأة جرح الأم في شريكها الجديد؟

تستطيع المرأة أن تلاحظ بعض الإشارات، خاصة في مراحل التعارف الأولى:

  • يتحدث كثيرًا عن علاقته المعقدة مع والدته (سواء بإعجاب مبالغ أو نقد دائم).
  • يشعر بالذنب تجاه أمه رغم أنه يعاني منها.
  • يطلب احتواءً دائمًا ويتعلق بسرعة.
  • ينزعج بشدة من النقد، كأنه طفل يتلقى اللوم.
  • يطلب "الرعاية" أكثر من الحب.
  • ينجذب إلى النساء الحنونات أو القويات جدًا، ثم يتذمر منهن لاحقًا.
  • يتوقع منها أن "تفهمه دون شرح".

هذه ليست أحكاما، بل إشارات تستحق التوقف عندها.

كيف تتعامل المرأة الواعية مع هذا الجرح؟

fa664c49-52ce-4651-a549-99cf4132fc79

دور المرأة ليس العلاج، لكن وعيها بالحالة يمنحها المساحة للتصرف بوضوح واتزان عبر بعض الخطوات:

1. لا تحاولي أن تكوني "أمه" الجديدة

قد يلمّح، يتعلّق، يطلب منك دورا أكبر من دور الشريكة... هنا يجب أن توضحي: "أنا لست بديلة عن أحد، أنا معك لأشاركك لا لأرممك".

2. تأكدي أن لديكِ مساحة لنفسك

العلاقة مع رجل مجروح من أمه قد تتحول بسهولة إلى استنزاف عاطفي. راقبي طاقتك، راقبي شعورك اليومي، لا تغرقي معه.

3. افصلي بين التعاطف والتضحية

من الجيد أن تتفهمي عمق جرحه، لكن لا تجعلي منه مبررًا لتقبّل السلوك المؤذي، أو تحميل نفسك مسؤولية إسعاده.

4. افتحي باب الحوار دون اتهام

يمكنك قول: "أشعر أنك تتوقع مني أشياء لا أقدر عليها وحدي. هل فكّرت أن تتحدث مع مختص؟"

5. تذكري: العلاقة الصحية تُبنى بين راشدين

الطفل المجروح في داخله لا يمكن أن يقود علاقة ناضجة، إلا إذا بدأ رحلة الوعي والشفاء.

هل يمكن شفاء هذا الجرح؟

نعم، لكن ذلك لا يحدث تلقائياً ولا بسرعة. الوعي هو الخطوة الأولى. أن يدرك الرجل أن مشاعره اليوم ليست مجرد ردّ فعل على الحاضر، بل صدى لطفل داخلي لم يُحتضن كما ينبغي

ثم يأتي دور العلاج النفسي، خصوصا إذا ترافق الجرح مع صدمات أخرى. فالعلاج يساعد على:

  • تفكيك الاعتقادات السامة حول الذات والحب
  • بناء علاقة جديدة مع المشاعر والأمان العاطفي
  • التمييز بين الماضي والحاضر في العلاقات
  • إعادة التواصل مع الطفل الداخلي واحتضانه

وفي بعض الحالات، يكون لوجود شريكة ناضجة نفسياً تأثير داعم، إذا استطاعت أن تفهم دون أن تُحمّل نفسها مسؤولية "إنقاذه".

 

جرح الأم ليس حكماً نهائياً على الرجل أو على مصير علاقاته. لكنه صوتٌ داخلي يحتاج إلى أن يُسمع، لا أن يُدفن. ومن المؤلم أن يحمل رجل ناضج قسوته القديمة إلى كل علاقة جديدة، لكن من المؤلم أكثر أن يُحب من دون أن يعرف كيف يَشعر بالحب.

إذا كنتَ رجلاً ووجدت في هذا المقال شيئاً يلامسك، فاعلم أنك لست وحدك. وإن كنتِ شريكة لرجل جريح، فتذكّري أن الحب لا يُصلح الماضي، لكنه قد يكون بداية شفائه.

أخبار ذات صلة

انعكاس الماضي.. كيف تفصلين بين جروح طفولتك ودورك كأم

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo