لا أحد يخرج من طفولته سالماً تماماً، لكن حين يكون الجرح من الأم، فإن الندبة غالبا ما تظلّ طيّ الخفاء، تتحرّك في الظلّ، وتشكّل ملامح الرجولة والعلاقات دون وعي.
فقد ثبت في العديد من الأبحاث النفسية أن نوع العلاقة بين الطفل وأمه لا يترك أثره فقط على سنوات الطفولة، بل ينعكس على طريقة هذا الطفل – حين يكبر – في الحب، والغضب، والثقة، والارتباط.
و"جرح الأم" ليس مجرد عنوان مجازي؛ بل هو مصطلح يُستخدم في علم النفس للإشارة إلى الألم العاطفي الذي يخلّفه غياب الحب، أو القسوة، أو الإهمال العاطفي من الأم تجاه طفلها الذكر، سواء عن قصد أو من دون وعي.
يتشكّل هذا الجرح عندما تكسر الأم الرابط العاطفي الأساسي الذي يُفترض أن يُشعر الطفل بالأمان، عبر سلوكيات مثل:
هذه الأنماط تزرع في الطفل إحساساً مزمنًا بأنه "غير كافٍ"، أو أنه يجب أن يستحق الحب عبر الأداء، أو أنه يجب أن يكون حذراً في علاقاته، لأن الحب قد يُسحب في أي لحظة.
عندما يدخل الرجل الجريح بعلاقته مع أمه في علاقة حب أو زواج، غالبًا ما تظهر آثار تلك الجروح في شكل سلوكيات يصعب تفسيرها على السطح:
قد لا يقول ذلك صراحة، وقد لا يعرفه هو بنفسه. لكن بعض العلامات تُشير إلى هذا الجرح:
وإذا كانت الشريكة نفسها قوية الحضور عاطفياً، أو تمثّل له نموذجاً نسائياً مستقلاً، فقد يرفضها من حيث لا يدري، لأنها تذكّره بوجع قديم.
لأن العلاقة الأولى التي عرفها مع أنثى – الأم – كانت مؤلمة أو غير مكتملة. فيحاول لاشعوريًا إعادة إنتاج السيناريو القديم مع شريكته، علّه هذه المرة "ينقذ" الطفل الذي كانه.
هو لا يبحث عن امرأة، بل عن حنان، عن تصديق أنه محبوب رغم عيوبه، عن لمسة لم ينلها صغيرًا.
لكن المشكلة أن الحبيبة ليست مربيّة، ولا تستطيع أن تملأ فراغًا عمره سنوات.
تستطيع المرأة أن تلاحظ بعض الإشارات، خاصة في مراحل التعارف الأولى:
هذه ليست أحكاما، بل إشارات تستحق التوقف عندها.
دور المرأة ليس العلاج، لكن وعيها بالحالة يمنحها المساحة للتصرف بوضوح واتزان عبر بعض الخطوات:
قد يلمّح، يتعلّق، يطلب منك دورا أكبر من دور الشريكة... هنا يجب أن توضحي: "أنا لست بديلة عن أحد، أنا معك لأشاركك لا لأرممك".
العلاقة مع رجل مجروح من أمه قد تتحول بسهولة إلى استنزاف عاطفي. راقبي طاقتك، راقبي شعورك اليومي، لا تغرقي معه.
من الجيد أن تتفهمي عمق جرحه، لكن لا تجعلي منه مبررًا لتقبّل السلوك المؤذي، أو تحميل نفسك مسؤولية إسعاده.
يمكنك قول: "أشعر أنك تتوقع مني أشياء لا أقدر عليها وحدي. هل فكّرت أن تتحدث مع مختص؟"
الطفل المجروح في داخله لا يمكن أن يقود علاقة ناضجة، إلا إذا بدأ رحلة الوعي والشفاء.
نعم، لكن ذلك لا يحدث تلقائياً ولا بسرعة. الوعي هو الخطوة الأولى. أن يدرك الرجل أن مشاعره اليوم ليست مجرد ردّ فعل على الحاضر، بل صدى لطفل داخلي لم يُحتضن كما ينبغي
ثم يأتي دور العلاج النفسي، خصوصا إذا ترافق الجرح مع صدمات أخرى. فالعلاج يساعد على:
وفي بعض الحالات، يكون لوجود شريكة ناضجة نفسياً تأثير داعم، إذا استطاعت أن تفهم دون أن تُحمّل نفسها مسؤولية "إنقاذه".
جرح الأم ليس حكماً نهائياً على الرجل أو على مصير علاقاته. لكنه صوتٌ داخلي يحتاج إلى أن يُسمع، لا أن يُدفن. ومن المؤلم أن يحمل رجل ناضج قسوته القديمة إلى كل علاقة جديدة، لكن من المؤلم أكثر أن يُحب من دون أن يعرف كيف يَشعر بالحب.
إذا كنتَ رجلاً ووجدت في هذا المقال شيئاً يلامسك، فاعلم أنك لست وحدك. وإن كنتِ شريكة لرجل جريح، فتذكّري أن الحب لا يُصلح الماضي، لكنه قد يكون بداية شفائه.