قد تبدو العلاقات الزوجية، في ظاهرها، قائمة على التكافؤ بين طرفين بالغين. لكن تحت هذا السطح، تتشكل أحياناً ديناميكيات غير متوازنة تقلب الأدوار، فتجدين نفسكِ لا تعيشين مع زوج، بل مع طفل كبير، وتؤدين دور الأم لا الشريكة.
هذه الظاهرة، رغم شيوعها، تمرّ غالبًا من دون وعي أو تفسير، وتؤدي تدريجياً إلى تآكل الحب والمودة بين الطرفين.
وفقًا للمعالج النفسي الأميركي ويليام بيري، فإن هذه الديناميكية لا تحدث فجأة، بل تنبع من عوامل نفسية وتربوية مترسخة، تبدأ من الطفولة وتمتد إلى الحياة الزوجية.
في معظم البيئات الأسرية التقليدية، تتولى الأمهات المسؤوليات اليومية للأطفال: من مواعيد الطبيب، إلى الأنشطة المدرسية، إلى التفاصيل المنزلية الدقيقة. بينما يظهر دور الآباء أكثر في اللعب والترفيه. ينشأ الطفل على فكرة غير معلنة: المرأة مسؤولة، والرجل يمرح. وهذا النمط قد يستمر حتى بعد أن يكبر الطفل ويصبح رجلاً.
عندما يبدأ الرجل علاقة عاطفية، قد تظهر طبيعته المرحة والجذابة وكأنها عنصر سحر خاص في شخصيته. لكن ما إن يتقدّم الارتباط ويصبح أكثر جدّية، خصوصاً بعد الزواج، تبدأ شريكته بمطالبةٍ طبيعية بتحمّل المسؤولية. غير أن بعض الرجال يواجهون صعوبة في الانتقال من دور "الطفل اللطيف" إلى "الرجل الناضج"، ما يدفع الزوجة لا شعورياً إلى ملء هذا الفراغ... فتبدأ بتأدية دور الأم.
في هذا السيناريو، تبدأ الزوجة بإدارة كل جوانب الحياة الزوجية: التخطيط، التنظيم، التذكير، وحتى التوبيخ أحياناً. بينما ينسحب الزوج إلى دور المتفرج، أو الطفل المُتمرد، الذي يرفض القيود ويحنّ لحياة ما قبل الزواج: السهر، الأصدقاء، اللامسؤولية. وعندما يدخل الأطفال على الخط، يزداد الخلل. فبعض الرجال يشعرون وإن لم يعترفوا بذلك بأنهم فقدوا مكانتهم، بعدما أصبحت الزوجة أماً حقيقية.
الرجال، بحسب الثقافة السائدة، لا يُشجَّعون على التعبير عن مشاعرهم. البكاء ممنوع، والضعف مرفوض، والشكوى عار. ونتيجة لذلك، يتعاملون مع مشاعرهم بصمت أو تهرّب، ما يُنتج فجوة في التواصل. وعوضاً عن مصارحة الشريكة بما يشعرون به، يبحث بعضهم غالبًا دون وعي عن منافذ أخرى: في العمل، أو الأصدقاء، أو حتى علاقات عاطفية خارجية.
المشكلة لا تكمن في الرجل وحده، ولا في المرأة فقط. بل في الدورين اللذين تم تداولهما وتوارثهما لعقود: الرجل الذي لا يُطلب منه أن ينضج عاطفياً، والمرأة التي يُتوقع منها أن تتحمل العبء وحدها. كلا الطرفين بحاجة إلى التوقف، والتأمل، وإعادة تعريف الأدوار.
ما يحتاجه الرجل هو مساحة للتعبير والنضج، دون أن يشعر بأنه يُنتقص من رجولته. وما تحتاجه المرأة هو شريك يتقاسم معها الأعباء، لا ابنًا آخر تتولى تربيته.
عندما تتحول العلاقة إلى ساحة أدوار غير متكافئة، يفقد الحب روحه، ويبدأ الاحترام في الذبول. لكن حين يدرك الطرفان أن بعض التصرفات لا تعكس حقيقة نواياهما بل ترسبات ماضٍ مشترك، يمكن فتح نافذة للحوار والتغيير.
فالعلاقة الزوجية الناجحة لا تقوم على الرعاية من طرف واحد، بل على الشراكة الواعية والمسؤولية المتبادلة، حيث ينضج كل طرف في حضن الآخر، لا على حسابه.