في عالم الصداقات، لا تسير المشاعر دائماً في خط مستقيم. ففي قلب العلاقات القريبة، قد تختبئ مشاعر معقّدة، أبرزها الغيرة.
ورغم أن الغيرة قد تبدو غريبة في علاقة يفترض أن تقوم على المحبة والدعم، إلا أنها شائعة أكثر مما نظن، خصوصاً بين النساء اللواتي تجمعهن صداقة طويلة أو عميقة.
لكن متى تكون هذه الغيرة طبيعية وعابرة، ومتى تتحوّل إلى قيد يخنق العلاقة، ويستدعي الحسم؟
الغيرة في بعض الأحيان لا تعني بالضرورة الحقد أو سوء النية، بل قد تكون انعكاساً لمرحلة هشّة تمر بها الصديقة، فقد تكون في فترة تشعر فيها بانعدام التقدير، أو بمقارنة داخلية تؤلمها، أو ربما تمرّ بأزمة شخصية تضيء فجأة على نجاحاتك أنتِ.
قد تظهر الغيرة في صورة تعليقات ساخرة على إنجازاتك، أو تغيّر في نبرة الصوت حين تتحدثين عن علاقة عاطفية ناجحة، أو حتى في اختفاء مؤقت عند كل مناسبة سعيدة تمرّين بها.
في هذه الحالة، قد تكون الغيرة عابرة، ويمكن تجاوزها بالحوار والتفهّم، خاصة إذا كنتِ تدركين أن هذه الصديقة في الأصل محبة وصادقة.
المشكلة تبدأ حين تتحوّل الغيرة إلى سلوكيات مؤذية، تُخفي تحتها منافسة غير صحية أو حتى شماتة. إذا لاحظتِ أن صديقتك تقلّل من شأنك باستمرار، أو تستخف بما تحقّقينه، أو تحاول تهميشك في مجموعات الأصدقاء، أو تتصرّف بعدائية مموّهة، فهنا يجب أن تتوقفي.
الصديقة الحقيقية قد تغار في لحظة ضعف، لكنها لا تؤذي، ولا تُطيل المقارنة، ولا تضعك في موضع دفاع دائم عن نفسك أو نجاحاتك أو اختياراتك.
حين تكتشفين أن الغيرة بدأت تفسد النقاء بينكما، لا تتسرّعي بالابتعاد، خاصة إن كانت العلاقة عزيزة عليك. ابدئي بالحوار. اختاري وقتاً هادئاً وشاركي مشاعرك بصدق وهدوء: "أشعر أحياناً أنك لا تفرحين لي كما كنتِ تفعلين، هل هناك ما يزعجك؟".
أحياناً، يكون هذا النوع من المواجهة البسيطة كافياً لإذابة التوتر، وإعادة الأمور إلى مسارها. أما إذا واجهتِ إنكاراً دائمًا، أو تهرّباً، أو سلوكاً يستمر في استنزافك رغم محاولاتك، فقد يكون الوقت قد حان لإعادة تقييم هذه الصداقة.
من الطبيعي أن نمنح أصدقاءنا فرصاً للتعبير والتغيير، لكن ليس على حساب راحتنا النفسية أو ثقتنا بأنفسنا. الصداقة الحقيقية تُشبه المرآة: تعكس أجمل ما فينا، وتحتضن لحظاتنا الصعبة دون حسابات.
أما الصداقة التي تزرع الشك في قلبك، وتشعرك دائماً أنك "أكثر مما ينبغي" أو "أقل مما ينبغي"، فهي علاقة مرهقة تستحق أن تقولي لها: كفى.