العلاقات السامة، بما تحمله من تلاعب، وازدراء، وتقلبات عاطفية، وأحياناً إساءة مباشرة، أكثر شيوعاً مما نظن.
ورغم الألم الذي تسببه، فإن مغادرتها تبدو، لكثيرين، أمراً بالغ الصعوبة، وغالباً ما يتردد سؤال مؤلم من الخارج: "لماذا لا ترحل؟".
الجواب لا يكمن في الضعف أو الغفلة، بل في مزيج معقد من العوامل النفسية والعاطفية والاجتماعية.
تابع القراءة لتتعرف إلى أهم 3 أسباب تدفعنا للبقاء في علاقات سامة.
غالباً ما يستخدم المسيء أساليب كـ"التلاعب العقلي" (Gaslighting) أو النقد المستمر لزعزعة ثقة الطرف الآخر بذاته.
ومع مرور الوقت، يبدأ الشريك في الشك بإدراكه للواقع، ويشعر بأنه غير قادر على اتخاذ قرارات سليمة، بما في ذلك قرار الرحيل.
ينشأ الاعتماد العاطفي حين يربط الشخص قيمته الذاتية وتقديره لنفسه بشريكه، فيغدو الانفصال أشبه بتهديد وجودي.
وبحسب نظرية "الحاجة للانتماء" (Baumeister & Leary, 1995)، يسعى الإنسان فطرياً إلى إقامة علاقات وثيقة ومستقرة.
وعندما تنخفض الثقة بالنفس، تتغلب هذه الحاجة على تقدير السلامة أو السعادة، فيبقى الإنسان مقيّدا بعلاقة تؤذيه.
من الأسباب الشائعة للاستمرار في علاقة سامة: الخوف من الوحدة، أو من مستقبل غامض بعد الانفصال.
بالنسبة للكثيرين، تبدو فكرة البدء من جديد عاطفيا، ماليا، أو اجتماعيا مرهقة ومقلقة.
ويزداد هذا الخوف عمقاً حين تكون العلاقة طويلة، أو يتخللها ارتباطات مثل الأطفال، أو المصالح المالية، أو الشبكات الاجتماعية المشتركة.
تشير الدراسات إلى أن من يخافون من العزلة العاطفية أكثر عرضة للبقاء في علاقات غير مُرضية، أو حتى مؤذية.
وقد وجد سبيلمان وآخرون (2013) أن الخوف من العزوبية يدفع بعض الأشخاص للعودة إلى شركاء سابقين، رغم معرفتهم بعدم جدوى العلاقة.
الخوف هنا ليس مجرد عاطفة؛ بل قد يكون مشبعا باعتبارات عملية واقعية: الخوف من فقدان الدعم المالي.
أو غياب شبكة الأمان الاجتماعي، أو حتى وصمة المجتمع والأسرة عند الانفصال.
هذه الحواجز قد تجعل مغادرة العلاقة تبدو مستحيلة، رغم الأذى النفسي الواضح.
إحدى أقوى الظواهر النفسية التي تُبقي الإنسان أسير علاقة سامة هي ما يُعرف بـ"روابط الصدمة"، وهي دورة من الإساءة يتخللها بين الحين والآخر لحظات من اللطف، أو الندم، أو الحنان.
هذه اللحظات، رغم ندرتها أو طابعها التلاعبي، تخلق تجربة عاطفية مربكة، تُعمّق التعلق بدل أن تُضعفه.
ويرتبط هذا النمط بمفهوم "التعزيز المتقطع" (intermittent reinforcement)، وهو نمط سلوكي تُقدَّم فيه المكافآت (كالمديح أو العطف) بشكل غير متوقع؛ ما يؤدي إلى تكوين أقوى الروابط العاطفية حتى في العلاقات المؤذية.
فيظل الشريك المتألم متمسكا بالأمل في استعادة "الأوقات الجيدة"، رغم إدراكه لندرتها.
توضح المعالجة النفسية شانون توماس (2015) أن روابط الصدمة ليست علامة على الضعف، بل نتيجة دورات متكررة من الإساءة تعيد تشكيل استجابة الدماغ للأمان والحميمية.
الضحية قد تشعر برعب من الرحيل، وفي الوقت ذاته بولاء عاطفي عميق تجاه من يسيء إليها.
البقاء في علاقة سامة ليس خياراً بسيطاً
فهو غالبا نتيجة لجرح نفسي عميق، وأنماط عاطفية معقدة، وضغوط اجتماعية ثقيلة.
لذا فإن فهم الأسباب الـ3: الاعتماد العاطفي، الخوف من الوحدة، وروابط الصدمة، يساعدنا في التخفيف من الشعور بالعار أو الذنب لدى من يظل في مثل هذه العلاقة.
إذا كان لك قريب أو صديق في علاقة سامة، تحدث معه عن هذه الأسباب لكي تفهم تجربته بدل أن تحكم عليه، وساعده على التواصل مع مختص نفسي.
وإذا كنت أنت تعاني من علاقة سامة، لا تنتظر، تواصل مع معالج نفسي اليوم.