في خضم الأيام المتسارعة، والضغوط المتراكمة، وسيل المقارنات الذي لا يتوقف، قد تمرّين بلحظات تشعرين فيها بأن شيئاً ما ينقصكِ، وكأن الفرح أصبح مؤجلًا، والطمأنينة ترفًا بعيد المنال.
لكن ماذا لو كانت السكينة التي تبحثين عنها ليست في تغيّر الظروف، بل في نظرتكِ إليها؟ وماذا لو وُجدت أداة بسيطة، لا تتطلب وقتًا طويلًا ولا جهدًا كبيرًا، قادرة على إعادة ترتيب مزاجكِ الداخلي وتوسيع زاوية رؤيتكِ للحياة؟
هنا يأتي دفتر الامتنان، كواحد من أكثر الأدوات النفسية فعالية. لا يفرض عليكِ تغيير نمط حياتكِ، ولا يحتاج إلى مساحة خاصة أو مهارة في الكتابة. هو مجرد دفتر صغير، أو حتى بضع صفحات تحتفظين بها في مكانكِ المفضل، تكتبين فيها ما تشعرين بالامتنان نحوه مهما بدا بسيطًا أو عابرًا.
بحسب خبراء الصحة النفسية، فإن ممارسة كتابة الامتنان بانتظام لا تقتصر فقط على تحسين المزاج، بل تساعد أيضًا على:
كما تشير الدراسات إلى أن هذه العادة قد تؤدي إلى سعادة طويلة الأمد وزيادة في الرضا العام عن الحياة.
والسر وراء هذه الفوائد يكمن في الطريقة التي يعمل بها دماغ الإنسان. فالعقل يميل بطبيعته إلى التركيز على المخاطر والمواقف السلبية كآلية للبقاء، وهو ما يُعرف بـ"الانحياز السلبي".
لكن عند التركيز بوعي على الأمور الإيجابية من خلال دفتر الامتنان، تتم إعادة توجيه العقل نحو اللحظة الحالية وما فيها من خير؛ ما يساعد على تقليل التوتر والعيش في "الآن".
لا توجد طريقة واحدة صحيحة لكتابة دفتر الامتنان. المهم أن تكتبي بانتظام.
يمكنكِ استخدام دفتر بسيط، أو مفكرة مزيّنة، أو حتى قصاصات صغيرة تلصقينها على الجدار.
البعض يفضل ربط كتابة الامتنان بعادة يومية موجودة مسبقًا، مثل كوب القهوة الصباحي أو قبل النوم، وهي طريقة تُعرف بـ"تكديس العادات" وتساعد على الاستمرارية.
ينصح الخبراء بكتابة قائمة يومية قصيرة تتضمن 3 إلى 10 أمور تشعرين بالامتنان تجاهها، ويمكنكِ اتباع قاعدة 4×4×4 كخطة بداية: اكتبي لمدة 4 دقائق، 4 مرات في الأسبوع، ولمدة 4 أسابيع متتالية.
لكي تكون ممارسة الامتنان فعالة فعلًا، من الأفضل أن تكتبي بتفصيل وشعور حقيقي.
كلما كان ما تكتبينه محددًا وواضحًا، كان تأثيره أعمق.
حاولي أن تعيشي الشعور أثناء الكتابة، وأن تسمحي له بالوصول إلى قلبكِ وعقلكِ.
إذا استطعتِ الحفاظ على الإحساس الإيجابي لمدة 10 إلى 20 ثانية، فستزيد فرصة ترسيخه في ذاكرتكِ طويلة الأمد.
مع الوقت، قد تشعرين بأنكِ تكتبين نفس الأمور مرارًا وتكرارًا، مثل "أمي"، "صديقتي المقرّبة"، أو "قطتي".
وهنا يمكنكِ كتابة قائمة دائمة بالأشياء التي تشعرين بالامتنان لها دومًا، واعتبارها قائمة أساسية لا حاجة لتكرارها يوميًا. بعد ذلك، ركّزي على البحث عن تفاصيل جديدة في يومكِ تستحق الشكر والامتنان.
الاستمرار في كتابة دفتر الامتنان يعيد برمجة الدماغ ليرى الإيجابي بشكل تلقائي. ومع مرور الوقت، ستلاحظين أنكِ صرتِ أكثر إدراكًا لجمال التفاصيل الصغيرة من حولكِ.
فكما تقول المتخصصة النفسية كاثرين كوبيلّاس: "الدماغ يرى ما يتوقع أن يراه"، وبالتالي، عندما تتدربين على رؤية ما هو جميل، ستصبحين أكثر قدرة على ملاحظته في كل مكان.
دفتر الامتنان ليس مجرد عادة جميلة، بل أداة فعالة لتحسين صحتكِ النفسية والعيش بسلام داخلي أكبر.
خصّصي بضع دقائق يوميًا لنفسكِ، اكتبي، وتنفّسي، واستمتعي بأثر الامتنان العميق في حياتكِ.