header-banner
تطوير الذات

دور الضحية.. كيف يدمر صاحبه بصمت؟

تطوير الذات
إيمان بونقطة
3 مايو 2025,9:00 ص

قد يمرّ كل إنسان بمواقف مؤلمة، أو يتعرّض لظلم أو خيبة، فيشعر بالضعف أو العجز.

وهذا شعور إنساني طبيعي في لحظته. لكن المشكلة تبدأ عندما يتحوّل هذا الإحساس المؤقت إلى هوية كاملة يتقمّصها الإنسان في كل تفاصيل حياته.

وهنا يظهر ما يُعرف بـ"دور الضحية" وهو نمط نفسي خفي قد يبدو للوهلة الأولى وسيلة لحماية الذات أو جذب التعاطف، ولكنه في الحقيقة أحد أكثر الأدوار تدميراً للنمو الشخصي والعلاقات والصحة النفسية.

ما هو "دور الضحية"؟

0cc9e277-bf65-46e2-bd3d-8a43ae6829ad

دور الضحية لا يعني أن الشخص فعلاً ضحية لحدث مؤلم، بل يعني أنه يتبنى هذا الدور كوسيلة لفهم العالم والتفاعل معه. فيُفسّر كل ما يحدث له على أنه ظلم مقصود، ويُسقِط المسؤولية عن نفسه تماماً، ويتوقع من الآخرين أن ينقذوه، أو يعوضوا له ما يفتقده.

ويظهر ذلك في عبارات متكررة مثل:

  • "أنا لا أملك حظاً في الحياة".
  • "الناس دائمًا يخذلونني".
  • "لا أحد يفهمني أو يقدّر ما أفعله".
  • "كل مشاكلي بسبب الآخرين".

قد تبدو هذه العبارات مألوفة، لكنها تحمل في طيّاتها رفضاً عميقاً لتحمّل المسؤولية وتغيير الواقع.

كيف يتكوّن هذا الدور؟

في كثير من الأحيان، يتشكّل هذا الدور في الطفولة المبكرة، عندما يواجه الطفل مواقف يشعر فيها بالضعف أو الإهمال أو الرفض دون أن يجد من يوجهه أو يمنحه الدعم الكافي لتجاوزها. فيتعلم أن الاستسلام أو إظهار الألم قد يكون وسيلته الوحيدة لجذب الاهتمام أو الحماية.

ومع الوقت، يتجذر هذا النمط ليصبح طريقة معتادة للتعامل مع أي موقف، فيُفضّل الإنسان أن يبقى في منطقة الراحة، حتى لو كانت مؤلمة، بدلاً من مواجهة واقعه وتحمّل مسؤولية تغييره.

أخبار ذات صلة

يجب أن تبدأ بتعزيز قيمتك الذاتية قبل كل شيء

العواقب النفسية والسلوكية

اللعب المستمر لدور الضحية يستهلك من الإنسان طاقته الذهنية والعاطفية. ومن أبرز آثاره:

الشعور الدائم بالعجز

يفقد الشخص ثقته بنفسه وبقدرته على اتخاذ قرارات أو التأثير في محيطه.

علاقات متوترة

يُثقل على من حوله بشكواه المستمرة أو شعوره بالخذلان، ما يؤدي إلى تباعد الآخرين عنه.

انعدام المبادرة

يتراجع عن تحقيق الأهداف بحجة الظروف أو ظلم الحياة.

التحوّل إلى شخص ناقد أو ساخط دائماً

لأنه يرى نفسه مستباحاً من الجميع.

لماذا هو دور مدمّر؟

لأن من يتقمّصه لا يُدرك أنه يعيش داخل "سجن وهمي" صنعه بنفسه، وأنه من الصعب تحقيق أي نمو أو تغيير حقيقي طالما لم يتخلّ عن هذا القناع.

دور الضحية يمنع الإنسان من التعلّم من أخطائه، ويجعله يرى التحديات كإهانات بدلاً من أن يراها فرصاً للتطور.

والأسوأ أنه قد يعيد إنتاج نفس المواقف السلبية في حياته بشكل غير واعٍ، فقط ليؤكّد "سرديته" بأنه ضحية.

كيف يتحرّر الإنسان من هذا الدور؟

  • الاعتراف بالدور: أول خطوة نحو التغيير هي إدراك أنني أعيش دور الضحية، وأنه ليس هويتي الحقيقية.
  • تحمّل المسؤولية: حتى لو لم أكن سبباً في ما حدث لي، إلا أنني مسؤول الآن عن طريقة تعاملي معه.
  • التوقف عن لوم الآخرين: لا أحد مسؤول عن سعادتي أو نجاحي سوى نفسي.
  • إعادة كتابة القصة: بدلًا من أن أروي قصتي بوصفها سلسلة من المظالم، أبدأ في رؤيتها كرحلة نضج وتعلم.
  • طلب الدعم: أحيانًا، يحتاج الإنسان إلى معالج نفسي لمساعدته على تفكيك هذا النمط المتجذّر.


العيش بدور الضحية قد يبدو مريحاً على السطح، لكنه يستهلك أعواماً من حياة الإنسان دون أن يدرك. هو دور ناعم في مظهره، لكنه صلب في أثره على الروح والعلاقات والفرص.

والتخلّي عنه لا يعني إنكار الألم، بل يعني الاعتراف به والقرار بعدم منحه سلطة قيادة حياتنا. في النهاية، لا يمكن أن نكون أحرارًا ما دمنا نقف في الزاوية ننتظر من ينقذنا.

الحرية تبدأ حين ننتبه لأنفسنا، ونختار أن نكون أبطال قصتنا لا ضحاياها.

أخبار ذات صلة

فن الإصغاء إلى الذات في زمن ضجيج الحياة والآراء

 

google-banner
footer-banner
foochia-logo