مرحلة الروضة هي أكثر من مجرّد بداية تعليمية؛ إنها الخطوة الأولى في عالم العلاقات، الانفصال عن البيت، واكتشاف الذات.
في هذه المرحلة الحساسة، تحتاج الأم إلى ما هو أبعد من الرعاية والتوجيه. تحتاج أن تكون "صديقة" لطفلها، تمنحه الأمان، وتشاركه المشاعر، وتصغي له كأنها تراه من الداخل لا من الخارج.
لكن، كيف نكون أصدقاء لأطفالنا من دون أن نفقد دورنا كوالدين؟ وما الذي يحتاجه الطفل فعلًا في هذه المرحلة؟
وجودك الفيزيائي مهم، لكن وجودك العاطفي هو المفتاح. عندما يعود طفلك من الروضة، لا تسأليه فقط: ماذا أكلت؟ أو ماذا فعلت؟، بل اسأليه: مالذي جعلك تضحك اليوم؟ أو هل شعرت بالحزن اليوم؟. هذه الأسئلة تفتح باب الحديث من القلب، وتجعله يشعر بأن مشاعره مهمة.
ربما يبدو لكِ بكاؤه بسبب قلم ضائع أو لعبة مكسورة أمرًا بسيطًا، لكنه بالنسبة له "حدث كبير". الصديق لا يسخر، ولا يقلّل من شأن مشاعر صديقه. استمعي، تعاطفي، ثم وجّهيه بلطف ليتعلّم التعبير عن انفعالاته بطريقة سليمة.
شاهدي معه الرسوم المتحركة التي يحبها، تعرّفي على أسماء أصدقائه في الصف، اسأليه عن ألعابه المفضلة. لا تكتفي بدور المراقبة، بل انزلي إلى مستواه وشاركيه عالمه بفضول حقيقي. هذه المشاركة تعني له الكثير، وتمنحه إحساسًا بأنه "مرئي" و"مفهوم".
اللعب هو لغة الطفل الأولى. من خلاله يعبّر عن نفسه، يحلّ مشاكله، ويكشف لكِ ما لا يستطيع قوله بالكلام. كوني جزءًا من هذا العالم: العبي معه بالرمل، ركّبي البازل، أو ارسما معًا. لا تهمّ النتيجة، الأهم أن يشعر بوجودكِ القريب والداعم.
الصديق الجيد لا يعني غياب القواعد. الطفل يحتاج إلى أم وصديقة في الوقت ذاته. كوني حازمة بلغة لطيفة: أفهم أنك غاضب، لكننا لا نضرب عندما نغضب، أو سوف نرتّب الألعاب مع بعض قبل أن نلعب لعبة جديدة. هذه الطريقة تخلق توازنًا بين الحرية والانضباط.
لا تكتفي بالثناء على النتائج، بل امدحي الجهد: أنا فخورة بك لأنك حاولت، أعجبني أنك انتبهت لزميلك اليوم. هذه العبارات تُنمّي ثقته بنفسه، وتُعزّز شعوره بالقبول غير المشروط.
طفلك لا يحتاج إلى حلول سريعة بقدر ما يحتاج إلى أذن تصغي له بصدق. أحيانًا، مجرد الإنصات من دون مقاطعة كافٍ ليشعر بالارتياح. قولي له: أنا معك، أكمل..، أنا أسمعك، وامنحيه المساحة ليعبّر عن نفسه بحرية.
أن تكوني صديقة لطفلك في مرحلة الروضة لا يعني أن تتخلي عن دورك كأم، بل يعني أن تمارسي هذا الدور بقلب مفتوح وأذن صاغية. الصداقة في هذه السن الصغيرة تبني جسورًا قوية ستصمد أمام التحديات القادمة، وتمنح طفلك الثقة بأنكِ دائمًا في صفه، تفهمينه وتحترمينه كما هو.
الصداقة هنا ليست ترفًا تربويًا، بل أساس في بناء شخصية متوازنة تنمو على الحب، الأمان، والقبول.