من المألوف أن نرى بعض الأشخاص يعملون على أجهزة الكمبيوتر المحمول الخاص بهم في المقاهي، حيث أصبح هذا الاتجاه الذي كان ينظر إليه في البداية على أنه موضة عابرة، جزءًا لا يتجزأ من روتين الكثير من العاملين خاصة في مجالات العمل الحر والإبداعي.
فهل هذا التغيير في مكان العمل يعكس رغبة في الهروب من بيئة المكتب التقليدية، أم أنه يمثل استراتيجية مدروسة لزيادة التركيز والإنتاجية؟
في ضوء ذلك تحدثت المجلة العلمية The Journal of Organizational Psychology عن مفهوم تأثير المقهى The Coffee Shop Effect، مشيرة إلى أن الضوضاء الخلفية المعتدلة والبيئة الديناميكية يمكن أن تحفز الإبداع وتزيد من التركيز.
وذكرت المجلة نقلًا عن دراسة متخصصة، أن هذه البيئة توفر مستوى مثاليًا من التشتيت الذي يمنع العقل من الشعور بالملل، ما يسمح له بالبقاء في حالة من التدفق.
هناك وجهان لهذه الطريقة من العمل، والجواب يعتمد بشكل كبير على الفرد وطبيعة عمله:
العمل في المقهى يمكن أن يكون بيئة مثالية لزيادة الإنتاجية، خاصةً للأشخاص الذين يفضلون التنوع.
فالضوضاء المحيطة، تبدو للبعض مصدر إزعاج، يمكن أن تكون محفزًا إيجابيًا، وهذه الضوضاء تعرف بـالضوضاء البيضاء، التي تساعد على عزل الأفكار وتوفير خلفية صوتية ثابتة تمنع العقل من الشرود في الأفكار الداخلية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشعور بالانتماء إلى مجتمع من الأفراد المنتجين، حتى لو كان وجودهم صامتًا، يخلق حافزًا غير مباشر للعمل الجاد.
ويمكن للناس الذين يعملون في المكان نفسه أن يشجعوا بعضهم البعض دون الحاجة إلى التفاعل المباشر، وهذا يخلق نوعًا من الانضباط الذاتي.
يمكن أن يكون العمل في المقهى وسيلة للهروب من بيئة العمل الرسمية والضغوط المرتبطة بها.
وبالنسبة للبعض، هو خيار يمنحهم شعورًا بالحرية والاستقلالية، ويسمح لهم بالابتعاد عن بيئة المكتب التي قد تكون خانقة أو مسببة للتوتر.
ويمكن أن يكون الهروب من التفاعلات الاجتماعية المستمرة أو الاجتماعات غير الضرورية في المكتب هدفًا أساسيًا.
هذا الهروب لا يعني بالضرورة الكسل أو عدم الرغبة في العمل، بل قد يكون مجرد وسيلة لإيجاد مساحة شخصية تسمح للفرد بالتحكم في يومه بشكل أفضل.
ومع ذلك، قد يكون الهروب سيئًا إذا لم يتم التحكم فيه، فقد يتحول إلى تشتيت بسبب الأشخاص المارين أو الضوضاء الزائدة، ما يقلل من الإنتاجية بدلًا من زيادتها، بالإضافة إلى احتمالية خسارة عمله إذا لم تكن طبيعة عمله تسمح بمغادرة المكتب دائمًا.
في الختام، لا يعتبر العمل في المقهى هروبًا أو استثمارًا في الإنتاجية بحد ذاته، بل هو وسيلة لتحقيق أحد الأمرين حسب الشخص وطبيعة عمله. فبينما يكون المقهى للآخرين مصدرًا للتشتيت، هناك من يجد فيه البيئة الأنسب للعمل.