أصبح السفر في السنوات الأخيرة، مرتبطا بالعالم الرقمي، إذ يلجأ المسافرون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لاختيار وجهاتهم، واستكشاف المطاعم والمحال، وحتى بناء توقعاتهم عن المدن التي يزورونها، خصوصا في وجود مؤثرين في مجال السياحة والسفر.
لكن في ظل هذا التفاعل الرقمي، تفقد المدن الصغيرة شيئا من روحها، وتتبدل ملامحها لتواكب الصور المتداولة عبر "إنستغرام" أو "تيك توك" وغيرها، وتعاد صياغتها لتناسب ذوق الزائر العابر أكثر مما تعبر عن سكانها الدائمين أو المنطقة بشكل مفيد للسيّاح.
بحسب ما أشار إليه تقرير نشر على موقع السياحة afar، فقد أثرّت وسائل التواصل على المدن السياحية للأسباب التالية:
كثير من الأماكن، كالمقاهي والمطاعم، يتم تصميمها لتبدو جميلة في الصور، لا لتخدم حاجات المجتمع المحلي.
ويتم انتقاء الديكورات والمفروشات بعناية تناسب الترندات الرقمية، وليس بالضرورة ما يعبّر عن ثقافة المكان أو تاريخه، مما يجعل الأماكن جذابة بصرياً، لكنها مفرغة من الطابع الأصيل للمدينة.
المشاريع الجديدة يطلقها غالبا وافدون لا ينتمون إلى المدينة، يبحثون عن فرص اقتصادية في أماكن رخيصة، أي أنهم لا يملكون ارتباطاً حقيقياً بالمكان أو فهمًا عميقًا لسكانه، وبالتالي لا يضعون في اعتبارهم قدرة السكان على تحمل أسعار السلع والخدمات.
ويعملون من خلال منصاتهم للترويج من أجل ربحهم الشخصي لا تقديم الفوائد الحقيقية للسيّاح.
يدفع بعض التصوير في المدن لتكرار النمط نفسه من المشاريع في كل مكان. حتى تصبح المدن متشابهة إلى حد التماثل، وتختفي النكهات المحلية المميزة، بحيث يصعب على المشاهد التمييز لاختيار الأفضل وما يناسب رغباته وتوجهاته بالسفر.
نتيجة للغلاء وعدم التوافق مع أسلوب حياتهم، يصبح السكان المحليون غرباء في مدنهم. لا يستطيعون زيارة هذه الأماكن إلا في المناسبات، إن استطاعوا بسبب الترويج الخاطئ من قبل نشطاء السوشال ميديا، مما يؤدي لرحيل الكثير من السكان الأصليين بحثا عن دخل أفضل، ما يؤدي إلى تفريغ المدينة من أهلها.
الانشغال بالتقاط اللحظة قد يسرق من المسافر جوهر الرحلة نفسه: عيش اللحظة، التعرف على الناس، التفاعل مع المكان. حين يتفوق "المحتوى" على التجربة، يخسر الجميع، الزائر والمكان معاً.
على الرغم من الجوانب السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه يمكن للسياحة عبرها أن تنقذ المدن الصغيرة إذا تمت إدارتها بحكمة، أي أن الحل يكمن في دعم المشاريع المحلية الأصيلة، والتخطيط المستدام الذي يشرك السكان بدلاً من تهميشهم.
وعلى المسافر الواعي أن يكون جزءاً من هذا الحل أيضا، فلا يكفي أن تبدو الأماكن جميلة في الصور؛ بل يجب أن تعكس روح المكان وتخدم أهله قبل زواره.