لطالما شكّل نهر الراين العظيم حلقة وصل بين شمال أوروبا وجنوبها منذ العصور القديمة، فبطول يقارب 1300كم، لعب هذا النهر الاستثنائي دورًا في الانتصارات العسكرية، وألهم الشعراء والرسامين بمناظره الطبيعية الخلابة وقصوره المعلقة على القمم الصخرية.
وعلى طول هذا النهر الساحر الذي يمر عبر سويسرا وفرنسا وألمانيا وليختنشتاين وهولندا، هناك الكثير مما يمكن استكشافه، والاستمتاع به، من المدن العريقة المليئة بالتاريخ، إلى القرى الصغيرة الغارقة في سحر الطبيعة، مرورًا بالغابات الكثيفة والكروم المترامية على الضفاف. كما أن هناك الكثير من الزوايا المخفية التي ستلهمك، وتبهرك، وتسلّيك طوال رحلتك.
تتعدّد المعالم والوجهات التي تستحق الاستكشاف على امتداد نهر الراين، ولكننا في هذا التقرير نسلّط الضوء على أبرزها، والتي غالبًا ما توصف بأنها جواهر مخفية.
نظرًا لكون الأراضي الهولندية رطبة جدًّا فهي غير صالحة لزراعة معظم المحاصيل، إلا أنها مثالية لرعي الأبقار، وبالتالي ليس غريبًا أن يرتبط الهولنديون بالجبن ارتباطًا وثيقًا، ففي متحف الجبن في أمستردام، يمكنك التعرف على تقاليد صناعة الجبن التي تعود لقرون في هولندا عن قرب، من شكل عجلة جبنة الجودا المسطحة إلى الثقوب المميزة في جبن ماسدام.
كان ميناء دوسلدورف سابقًا مركزًا مزدهرًا للتجارة، إلا أنه فقد مكانته بعد الحرب العالمية الثانية، وظلت مستودعاته ومبانيه مهجورة لعقود.
وقد بدأت المدينة لاحقًا مشروعًا ضخمًا لإعادة إحياء الواجهة البحرية، وكان أبرز معالمه مجمع نويَر تسولهوف (Neuer Zollhof) الذي صممه المهندس المعماري الشهير فرانك غيري. يتكون من ثلاثة مبانٍ منفصلة تميل وتلتف بأسلوب غيري المميز وغير التقليدي.
في وادي الراين الأوسط العلوي المُدرج ضمن قائمة اليونسكو، تنتشر القلاع في كل زاوية. ولكن قلعة واحدة فقط على هذه التلال لم تُدمر قط، وهي قلعة ماركسبرغ، إذ بُنيت أصلاً لحماية مناجم الفضة القريبة، وتضم الآن متحفًا يعرض الحياة في العصور الوسطى داخل القلاع.
يُعد "طريق الفلاسفة" حلقة تمتد لمسافة 1.9 ميل على طول نهر نيكار. أُطلق عليه هذا الاسم في أواخر العصر الرومانسي من قبل الأساتذة والفلاسفة المحليين الذين وجدوا فيه ملاذًا للتأمل. كما ألهم شعراء ألمان مثل "إيشندورف" و"هولدرلين"، إذ توجد لهما نصب تذكارية. وتنمو، بفضل المناخ الدافئ الفريد في المنطقة، العديد من النباتات الاستوائية الرائعة على منحدراتها المجاورة.
في القرن الرابع عشر بُني تحت مستشفى ستراسبورغ قبواً لتخزين النبيذ والحبوب والمواد القابلة للتلف، ويحتوي هذا القبو المقوس الواقع تحت الأرض على أقدم نبيذ محفوظ في برميل في العالم، يعود تاريخه إلى عام 1472. ولم يتم تذوق النبيذ الأبيض الموجود داخل هذا البرميل الذي يتسع لـ 450 لتراً سوى ثلاث مرات فقط عبر التاريخ.
تُعد كاتدرائية فرايبورغ تحفة معمارية وأحد أبرز معالم برايساخ، وهي كاتدرائية قوطية مذهلة استغرق بناؤها أكثر من 300 عام. إنها الكنيسة القوطية الوحيدة في ألمانيا التي بقي برجها الأصلي قائمًا منذ العصور الوسطى، حتى خلال القصف العنيف في الحرب العالمية الثانية الذي دمّر 80٪ من المدينة.
من أبرز ملامح الكاتدرائية نوافذ الزجاج الملوّن الخاصة بنقابات الخبازين ومصنعي الجعة، والتي تُظهر يسوع والعذراء مريم فوق رموز الأكواب والمعجنات.
يضم متحف تانغيلي أكبر مجموعة في العالم من منحوتات الفنان السويسري "جان تانغيلي" المتحركة، والتي يمكن تشغيل العديد منها بكبسة زر. يُعتبر تانغيلي من أبرز النحاتين الطليعيين في أواخر القرن العشرين، ويعرض المتحف أكثر من 100 منحوتة تفاعلية له.
هذه الجواهر السبع الخفية على طول نهر الراين تقدم لمحة ساحرة وغير تقليدية عن تاريخ وثقافة أوروبا الوسطى، بعيدًا عن المسارات السياحية المعتادة.