في بداية العلاقة، قد تبدو الكلمات حالمة، والاهتمام غامرًا، والهدايا لا تتوقف. كل شيء يبدو مثاليًا... لدرجة تجعلك تتساءلين: هل هذا الشخص حقيقي؟ هل يعقل أن أكون قد وجدت "الحب الكبير" بهذه السرعة؟
لكن ما قد يبدو كقصة رومانسية خارقة، قد يخفي خلفه سلوكًا نفسيًا معقّدًا يُعرف باسم "قصف الحب"، وهو نمط من التلاعب العاطفي، يتسلل في العلاقات سريعًا، ويصيبها في العمق، قبل أن يظهر وجهه الحقيقي.
قصف الحب ليس مجرد تعبير مجازي عن الحب الزائد، بل هو سلوك ممنهج يتعمّد فيه أحد الطرفين إغراق الآخر بكمّ هائل من العاطفة، الهدايا، الكلمات الرنّانة، والاهتمام غير المنطقي، وكل ذلك في وقت قياسي.
الهدف الخفي هو كسب السيطرة العاطفية بسرعة، وخلق حالة من التعلّق تجعلك تعجزين عن رؤية الإشارات الحمراء المقبلة.
يمر قصف الحب المتلاعب بمراحل ثلاث تتكرر في كل العلاقات التي تتسم بأنها سامة وغير صحية:
هنا تكونين "الفتاة التي طالما حلم بها"، تسمعين عبارات مثل: "لم أشعر بهذا من قبل"، أو "أنتِ قدري"... بعد أيام فقط من اللقاء.
كل شيء يسير بسرعة جنونية. المشاعر، الوعود، وحتى الحديث عن المستقبل. هذه المرحلة قد تجعلك تشعرين بالنشوة، لكنها ليست سوى فخ مزيّن بعناية.
بمجرد أن يشعر الطرف الآخر أنه أصبح جزءاً أساساً من يومك، تبدأ ملامح أخرى في الظهور: نقد خفي، تراجع في الحماس، إشارات إلى أنك "لم تعودي كما في البداية".
يبدأ الشك في التسلل إليك، هل فعلتِ شيئًا خطأ؟ هل تغيرتِ؟ هذا التحوّل المقصود يخلق نوعًا من الارتباك الداخلي، ويدفعكِ لمحاولة استعادة ذلك الحب الأولي، بأي ثمن.
قد يختفي فجأة. أو يرد على رسائلك بعد أيام كما لو لم يحدث شيء. أو يعود ليكرر الدورة من جديد. هذا النمط من "الظهور والاختفاء" يربك المشاعر، ويستهلك طاقتك النفسية.
ليس بالضرورة. في بعض الحالات، يكون الطرف الآخر نفسه ضحية تجارب سابقة أو صدمات عاطفية لم يتعامل معها. لكنه، مهما كانت دوافعه، لا يُعفيه ذلك من مسؤولية الأذى العاطفي الناتج عن سلوكياته.
إذا مررت بعلاقة مماثلة، فلا بد أنك تشعرين بالاستنزاف بعدها، وتحتاجين لوقت من التعافي، إليك بعض الأساليب للتعافي:
صديقاتك المقرّبات، عائلتك، الأشخاص الذين يعرفونك جيدًا ويعيدون إليكِ صوتك الداخلي.
من الطبيعي أن تهتز نظرتك لنفسك بعد المرور بتجربة مثل هذه، لكن تذكّري أنكِ لستِ مخطئة أو ساذجة.
العلاج النفسي يساعدك في فهم ما جرى، وتحديد الأنماط السلوكية التي قد تكونين عرضة لها، وتعلّم أدوات الحماية العاطفية.
ليس من الأنانية أن تطلبي وقتًا، أن ترفضي ضغطًا، أو أن تقولي "لا". الحب الحقيقي لا يخنق.
قصف الحب لا يقتصر على الرومانسية. قد يظهر في صداقات جديدة تبدو "مكثفة" بشكل غير مريح، أو حتى في العلاقات العائلية، حيث يُستخدم الحنان أو الهدايا كوسيلة للسيطرة.
الفكرة الأساسية: المشاعر لا يجب أن تكون وسيلة للهيمنة.
العلاقة الصحية لا تُربكك، ولا تجعلك في حالة من الحذر الدائم. هي علاقة تُشبه التنفس: طبيعية، متزنة، وتمنحك المساحة لتكوني كما أنتِ.
إن كنتِ قد تعرّضتِ لقصف الحب، فأنتِ لستِ وحدك. ويمكنك أن تخرجي من التجربة أكثر وعيًا وصلابة، شرط أن تميّزي الحب الحقيقي عن تلاعب مغطّى بالعاطفة.