بالنسبة للكثير من البالغين، قد تبقى العلاقة مع الوالدين مصدرًا دائمًا للقلق أو التوتر، حتى بعد انتهاء الطفولة بسنوات طويلة.
وفي حالات كثيرة، يكون السبب الأساسي لهذا الاضطراب هو عدم نضج الوالدين عاطفيًا؛ ما يجعل من التعامل معهم تجربة مرهقة وغير مفهومة في كثير من الأحيان.
فكيف يمكن فهم هذا النوع من العلاقات؟ وكيف يؤثر على الأبناء؟ وما الخطوات الفعالة للشفاء وبناء حدود صحية تحمينا؟
يُعرّف الخبراء الوالد غير الناضج عاطفيًا بأنه الشخص الذي يعجز عن تنظيم مشاعره، ويعتمد غالبًا على ردود فعل طفولية، مثل نوبات الغضب أو التهرب من المسؤولية.
يميل هؤلاء الآباء إلى التركيز على احتياجاتهم الذاتية، مع إظهار ضعف في التعاطف، وصعوبة في الاعتذار أو الاعتراف بالأخطاء.
من أبرز العلامات:
النشوء في بيئة يغيب عنها النضج العاطفي يترك آثارًا عميقة، منها:
بغض النظر عن الجروح التي خلفتها العلاقة المضطربة مع الوالدين في طفولتك، مازال بإمكانك التشافي ووضع الحدود معهم حتى تأمن بسلامك الداخلي. إليك بعض هذه الحلول:
القبول لا يعني التسامح مع الأذى، بل يعني الاعتراف بتأثير الطرف الآخر وتحرير الذات من التوقعات غير الواقعية. من المفيد أن ترى والديك كما هما، لا كما تتمنى أن يكونا.
حدّد بوضوح ما الذي تقبله وما ترفضه، وأعد التذكير بهذه الحدود كلما لزم الأمر. الحماية النفسية تبدأ من حدود تحترم كرامتك واستقلاليتك.
الوالد غير الناضج غالبًا ما يسعى إلى إثارة ردود فعل، لذا فإن المحافظة على الهدوء والحيادية العاطفية يساعد في تقليل التوتر ويمنع تصاعد الأمور.
العناية بالنفس ضرورة، سواء عبر تمارين الوعي الذاتي، الكتابة اليومية، أو طلب الدعم النفسي من متخصص يساعدك على معالجة الجراح القديمة وبناء علاقات صحية.
حتى تتمكن من عيش حياة أهدأ، يمكنك الاعتماد على بعض هذه الأدوات لمساعدتك على التعامل مع الوالدين غير الناضجين:
خلال الحديث مع الوالد، لاحظ سلوكياته من مسافة نفسية دون أن تنخرط عاطفيًا. اعترف بالمشاعر دون أن تتصرف بناءً عليها، وذكّر نفسك بمن تريد أن تكون.
ذكّر نفسك أن التفاعل بينك وبين والديك يتضمن أيضًا نسختك الطفولية، ونسختهم الطفولية غير الواعية. هذا الوعي يساعد على كسر الحلقة القديمة من ردود الأفعال التلقائية.
دوّن الأمور التي تؤذيك، واصنع قائمة واضحة بالتصرفات التي لن تقبلها. طوّر هذه الحدود كل فترة، وتذكّر أن رد فعل الآخرين ليس تحت سيطرتك، لكن اختيارك لكيفية التعامل معهم هو مسؤوليتك.
لا أحد يختار نوع والديه، لكن كل فرد يستطيع أن يعيد كتابة قصته. التعافي يبدأ حين نتحرر من دور الضحية ونعترف بقدرتنا على التغيير والنمو.
وكما تقول الخبيرة النفسية "جونيس ويب": "الوقود الحقيقي للحياة هو الشعور. وإذا لم نُشبع هذا الوقود في الطفولة، فعلينا أن نملأه بأنفسنا حين نكبر."
قد لا يكون الطريق سهلًا، لكنك تستحق أن تضع نفسك أولًا، أن تبني حدودك، وأن تخفف من تأثير الماضي على حاضرك. التعافي ليس مواجهة مع الوالدين بقدر ما هو مصالحة داخلية مع الذات.