هل سمعتِ يومًا عن "متلازمة عطيل"؟ تُنسب هذه الحالة النفسية إلى شخصية عطيل في مسرحية شكسبير، ذلك القائد الذي دفعته الغيرة العمياء إلى ارتكاب جريمة مأساوية بحق زوجته.
الغيرة، كالحب والخوف، شعور إنساني طبيعي لا مفر منه. لكنها حين تتجاوز حدودها المعقولة، تتحوّل إلى خطر حقيقي يهدد استقرار العلاقات ويقود إلى نتائج لا تُحمد عقباها. الخط الفاصل بين الغيرة الصحية وتلك المَرَضية رفيع ودقيق، ومن الضروري التنبّه له قبل أن يفسد أقرب الروابط.
في العلاقات العاطفية العميقة، من الطبيعي أن ترغبي في حماية من تحبّين. الغيرة المعتدلة هي انعكاس لهذا التعلّق. حتى الأطفال الرضّع في عمر الستة أشهر فقط يظهرون مشاعر غيرة عندما تنصرف أمهاتهم عنهم لتحتضن دمية!
ليس البشر فقط، بل الكلاب أيضاً تشعر بالغيرة، وتُظهر سلوكاً دفاعياً حين يُهدَّد ارتباطها بأصحابها.
لكن الغيرة، رغم كونها علامة على التعلّق، تحمل سمعة سيئة، وغالباً ما تُصنّف على أنها شعور "سلبي" أو "سام". والحقيقة أنها أداة تشخيصية مهمّة كما يؤكد معالجون نفسيون متخصصون في العلاقات الزوجية.
في إحدى الجلسات العلاجية، كان يُطلب من أحد الشريكين أن يتخيل رؤية شريكه وهو يُمسك يد شخص آخر في مطعم. كانت الإجابة كاشفة: إذا قال: فليذهب، فغالبا ستنهار العلاقة كما بينت نتائج لاحقة.
أما إذا شعر بوخزة غيرة وغضب داخلي، فذلك دليل على بقاء التعلّق، وأن هناك أملاً في إصلاح ما انكسر.
المعالجون يشيرون إلى أن قبول الغيرة كجزء طبيعي من المشاعر الإنسانية، من دون لوم أو تجريم، هو الخطوة الأولى في فهم الذات والشريك. فكل حوار صادق عن الغيرة، يقود إلى أسئلة أعمق: هل يمكن الوثوق بالآخر؟ ولماذا نغامر بمنح هذه الثقة؟
وعندما تُكسر الثقة، وتبدأين بمقارنة نفسك بالغير، فلا بد من التذكير: الثقة بالآخرين مهمة، لكن الأهم أن تثقي بنفسك. أن تكوني قوية بما يكفي لتجاوز الشك، والتعامل مع الخسارة إن وقعت.
الغيرة ليست دائماً بريئة. أحياناً تتطوّر إلى مشاعر مفرطة تتجاوز الانزعاج المؤقت، لتصبح شبيهة بالهوس. وهنا، يصنّفها الخبراء تحت بند "الغيرة المَرَضية"، وهي تتكوّن من ثلاثة مظاهر رئيسة:
من الناحية العلمية، يقع مركز هذا النوع من الغيرة في الدماغ، وتحديداً في القشرة الجبهية الجانبية الوسطى (VPC)، وهي المسؤولة عن تقييم ذواتنا، ومشاعرنا، وتوقّعاتنا من الآخرين. هذا هو المكان الذي نحاول فيه تحليل سلوك الشريك وتخيّل خسارته.
لكنّ القلب أيضاً شريك في هذه المعادلة، ضعي يدك على صدرك، حيث القلب. إذا كان مكسوراً أو موجوعاً، ولا يزال ينبض، فهذا يعني أن هناك وقتاً لإعادة التقييم، للترميم، للمصارحة، وربما للمسامحة.
وفي الختام، تذكّري مقولة بوب مارلي: الحقيقة أن الجميع سيؤذيك بطريقة أو بأخرى. المهم أن تجدي من يستحق أن تتألّمي لأجله.
والأديب واشنطن إيرفنج قالها ببساطة: لا وجود للغيرة دون محبة حقيقية.
إذن، الغيرة ليست دائماً عدواً. أحياناً، هي مرآة تعكس قوة العلاقة أو هشاشتها.
المفتاح هو أن تعرفي متى تكون الغيرة من القلب، ومتى تكون نداء استغاثة من العقل.