قد يشعر الإنسان في مرحلة ما من حياته وكأنه يدور في حلقة مفرغة، غير قادر على تحديد ما يريده فعلاً.
هذا الإحساس بالضياع لا يعني بالضرورة أنك تفتقر إلى الطموح أو الذكاء، بل غالباً ما يكون نتيجة لضغط الخيارات أو تراكم التجارب التي لم تُمنح الفرصة للتأمل أو التحليل.
لا يمكنك الحصول على إجابة نهائية بمجرد طرحك للسؤال، بل هناك مراحل مهمة قد تتجاوزها قبل أن تكتشف سر وجودك، إليك بعض الخطوات:
كثيرون لا يستطيعون التعبير بوضوح عما يريدونه، لكن معظمهم يعرف تمامًا ما لا يريده. "لا أريد وظيفة تُشعرني بالإرهاق"، "لا أريد علاقة تُضعف ثقتي بنفسي"، "لا أريد أن أستمر في هذا الروتين"، هذه العبارات هي بدايات صادقة تكشف عن مساحة من الألم، لكنها أيضًا تحمل بين طياتها ملامح لما قد ترغب فيه.
فمثلاً، إن كنت لا تريد عملاً يتطلب الوقوف طوال اليوم، فقد يكون هذا مؤشراً على رغبتك في عمل مكتبي أو إبداعي. كل "لا" تحمل خلفها "نعم" غير معلنة؛ حاول كشفها، وكتابتها.
بعد أن تحدد ما لا يناسبك، حان الوقت لتعيد صياغة الصورة من زاوية إيجابية:
التحوّل من الرفض إلى التحديد هو ما يُحرّك عجلة الوضوح. وكلما زادت التفاصيل في تصورك، ازداد وضوح المسار الذي يناسبك.
قرارك بما تريده اليوم لا يجب أن يكون نهائيًا. الحياة تتغير، وأنت كذلك. أحيانًا نكتشف بعد خوض التجربة أن ما ظننّاه هدفًا، لم يكن كذلك. هذا لا يعني الفشل، بل يعني أنك أصبحت أكثر وعيًا بما يناسبك فعلاً.
غيّر المسار إن استدعى الأمر، فهذا جزء من النضج الشخصي وليس تراجعًا.
كثيرون يعرفون ما يريدون، لكنهم لا يؤمنون بأن تحقيقه ممكن. وهنا يحدث الانفصال بين الرغبة والواقع. إن كنت لا تتوقع أنك قادر على الوصول، فلن تتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه. لذلك، من المهم أن تعيد صياغة توقعاتك لتكون منسجمة مع أهدافك.
ابدأ بخطوات صغيرة تؤكّد لنفسك أن التغيير ممكن. ما يبدو مستحيلاً الآن قد يصبح واقعًا إذا أضفت له خطة، زمن، وقناعة داخلية.
تحديد ما تريده لا يعني أن تغلق الباب أمام احتمالات أخرى. على العكس، كل خطوة نحو هدف واضح تفتح أمامك أبوابًا جديدة لم تكن لتراها وأنت واقف في نقطة التشتت. الحياة رحلة بحث واكتشاف، وما تريده اليوم قد يتغير غدًا مع تغيّر أولوياتك ونضجك وتجاربك.
معرفة ما تريده في الحياة ليست إجابة جاهزة، بل عملية مستمرة تبدأ بالاصغاء للذات، وتستمر بالتحليل، والتجريب، وتعديل المسار عند الحاجة. لا تخشَ التغيّر، ولا تتوقف عند مرحلة الغموض؛ فالوضوح يأتي مع الحركة، لا مع الانتظار.