في خضمّ انشغالات الحياة اليومية، وانشغالنا كأمهات بتفاصيل التربية والواجبات والمشاعر، قد نغفل عن لحظةٍ ثمينة تُمنح لنا كل عام: لحظة الاحتفاء بالأب، ذلك الركن الصامت في كثير من الأحيان، لكنه الحاضر دومًا، بأمانه، وجهده، وتضحياته التي لا تُروى بالكلمات.
عيد الأب ليس مجرد مناسبة عابرة في الروزنامة، بل فرصة حقيقية لغرس قيمة عظيمة في نفوس أبنائنا: قيمة الامتنان.
فالاعتراف بالجميل لا يأتي عفويًّا دائمًا لدى الأطفال، بل يحتاج إلى تربية داخلية تبدأ من البيت، ومن نظرتهم إلى والدهم، ومن الصورة التي تُرسم له في أعينهم، من خلال المواقف والكلمات والذكريات الصغيرة.
فكيف نُعلّم أبناءنا أن يقولوا "شكرًا" بطريقة تُلامس القلب؟ وكيف نحوّل يوم عيد الأب إلى درس عملي في المحبة والتقدير؟ الإجابة تبدأ من الأم، فهي الجسر الأول الذي يربط الطفل بفهم المشاعر وتعلّم التعبير عنها.
في هذا المقال، نأخذكِ في خطوات بسيطة وعميقة في الوقت ذاته، لتكوني أنتِ من يزرع في طفلك بذرة الوفاء، ويمنحه الأدوات ليعبّر عن امتنانه لوالده:
قد نظن أن الطفل سيعبّر تلقائيًّا عن امتنانه لأبيه، لكن الحقيقة أن الامتنان قيمة تحتاج إلى تربية وتعزيز مستمر. يحتاج الطفل إلى أن يرى بعينيه كيف تعبّر والدته عن التقدير، وأن يسمع كلمات صادقة تصف ما يفعله والده دون مبالغة أو إنقاص.
مثال عملي: قولي أمام طفلك: والدك عاد متعبًا من العمل لأنه يعمل من أجل راحتنا. أو: والدك متعب، فلنرسم له شيئًا يسعده.
أطفالنا يتأثرون بالقصص أكثر من أي شيء آخر. اختاري لحظات واقعية عن مواقف قدّم فيها الأب تضحية، أو قصة صغيرة من طفولة الطفل تدخّل فيها الأب لحمايته أو إسعاده. اربطي تلك القصص بمشاعر الامتنان بطريقة غير مباشرة.
لا يحتاج الامتنان إلى هدية فاخرة. أحيانًا، كلمة "شكرًا" بصوت صغير من طفل قد تكون أجمل هدية. ساعدي طفلك على التعبير برسالة صوتية، أو بطاقة مكتوبة، أو حتى صورة يرسمها بنفسه تعبّر عن حبه. اجعلي الفكرة نابعة منه، وسانديه فقط في التوجيه.
اجعلي من عيد الأب مناسبة عائلية صغيرة. فطور مفاجئ، جلسة في الحديقة، فيلم مفضّل يشاهدونه معًا، أو حتى لحظة هدوء يُخبر فيها كل فرد من الأسرة الأب بجملة امتنان واحدة. هذا الجو لا يغرس فقط التقدير، بل يصنع ذكرى عاطفية تبقى في الذاكرة.
حين يسمع الطفل أمه تمتدح أباه بصدق، يتعلم احترام دوره. لكن من المهم أن تكون العبارات حقيقية وغير مصطنعة أو مفرطة. الهدف هو أن يرى الطفل في والده نموذجًا جديرًا بالتقدير، دون أن يشعر بالمقارنة أو المثالية الزائدة.
مهما كانت العلاقة بين الوالدين، من الضروري ألا يسمع الطفل عبارات تقلل من قيمة الأب، خصوصًا في وقت تحاولين فيه غرس الامتنان نحوه. فالطفل لا يفصل بين العاطفة والموقف، وإذا شعر بتناقض، فقد يفقد المعنى الحقيقي للتقدير.
عيد الأب مجرد فرصة لتعليم قيمة، لكن التقدير الحقيقي يُغرس على مدار السنة. ذكّري طفلك أن يقول "شكرًا يا بابا" عندما يساعده، أو أن يرسم له شيئًا صغيرًا حين يعود من سفر، أو يشاركه كوب شاي في المساء كتعبير عن الحب.
ليس الهدف أن نعلّم أطفالنا تقديم هدية في عيد الأب فقط، بل أن نربّي فيهم شعورًا أصيلًا بأن في حياتهم رجلًا يستحق الامتنان. فحين ينشأ الطفل على الاعتراف بالجميل، سيكبر وفي قلبه تقدير لا يذبل، حتى لو لم يُعبّر عنه بالكلام دائمًا.