من الأزقة الضيقة للمدن الصغيرة إلى أكبر الملاعب الدولية، لم تكن طريق المرأة المغربية نحو إثبات الذات الرياضية سهلة؛ إذ واجهت الرياضة النسوية تحديات اجتماعية وثقافية كبيرة، لكنها استطاعت أن تُدوّن فصلًا جديدًا من التميز، وأن تنتقل من حلم محدود إلى واقع مشرّف يرفع راية المغرب والعالم العربي عاليًا.
في الستينيات والسبعينيات، كانت مشاركة النساء المغربيات في الرياضة محدودة جدًا، مقتصرة غالبًا على المدارس أو الأندية المغلقة؛ وكانت رياضتا كرة السلة وكرة اليد الأكثر حضورًا بين الفتيات، لكن دون أي تغطية إعلامية تُذكر، ما جعلها ممارسة شبه خفية عن الوعي العام.
ومع دخول الثمانينيات، بدأت المرأة المغربية تشق طريقها نحو الأضواء، بفضل إنجازات نساء استثنائيات مثل نوال المتوكل، التي كسرت كل الحواجز بفوزها التاريخي في سباق 400 متر حواجز خلال أولمبياد لوس أنجلوس عام 1984، لتصبح أول امرأة عربية وإفريقية تحصد ميدالية ذهبية أولمبية، ووجهًا عالميًا للرياضة النسائية المغربية.
لوقت طويل، ظلّت كرة القدم حكرًا على الرجال؛ لكن مطلع الألفية الجديدة شهد بروز فرق نسائية محلية، بدأت صغيرة وطموحة، ثم تطورت شيئًا فشيئًا إلى قوة حقيقية على الساحة الإفريقية والدولية.
التحول الحاسم جاء مع إنجاز المنتخب الوطني النسوي في بطولتي كأس أمم إفريقيا 2022 و2025، حيث وصلت لبؤات الأطلس إلى النهائي في المرتين، في مشهد أثار فرحة جماهيرية غير مسبوقة؛ ثم جاءت المشاركة المشرفة في كأس العالم للسيدات 2023 بأستراليا ونيوزيلندا، لتفتح الطريق أمام جيل جديد من الفتيات، رأين في كرة القدم حلمًا مشروعًا.
أصبحت نجمة المنتخب، غزلان شباك، ورفيقاتها أيقونات ملهمة، يجمعن بين المهارة والطموح، ويجسدن صورة جديدة للمرأة المغربية القوية والمتألقة.
لم تكن كرة القدم وحدها ساحة التميز؛ ففي الصالات والمضامير والشواطئ، أبدعت نساء مغربيات في رياضات عديدة.
في الدار البيضاء، تألقت بطلات الجودو والكاراتيه، رافعات علم المغرب بعد حصدهن ميداليات ذهبية في البطولات الإفريقية والعربية، وسط مشاعر مختلطة من دموع الفرح وزغاريد الأمهات.
وعادت ألعاب القوى لتتألق بأسماء جديدة تواصل السباق على خطى نوال المتوكل، مجددة تأكيد المغرب على أنه يصنع أبطاله كل يوم، لا يكتفي بالماضي.
وفي مدن مثل الصويرة وأكادير، شقت الرياضة النسائية طريقها عبر الأمواج والجبال؛ شابات يتقنّ ركوب الأمواج ويتسلقن قمم الأطلس، متحديات الطبيعة والصورة النمطية معًا، في مغامرة تروي قصة شجاعة أنثوية استثنائية.
في عام 2025، استضاف المغرب بطولة كأس إفريقيا النسوية الأولى في كرة القدم داخل القاعة (الفوتسال)؛ المباراة النهائية أمام تنزانيا كانت حماسية حتى الثواني الأخيرة، حيث حسمت لاعبة مغربية النتيجة بهدف قاتل 3-2؛ الانتصار لم يكن مجرد لقب، بل إعلانًا رمزيًا عن ميلاد قوة نسائية رياضية لا تُقهر.
اليوم، لم تعد الرياضة النسوية في المغرب مقتصرة على البطولات المحلية؛ لاعبات مغربيات يحترفن في الدوريات الأوروبية والخليجية، ويشاركن في كبريات المسابقات العالمية، في ظاهرة دفعت وسائل الإعلام الدولية للحديث عن "ثورة نسائية رياضية" مغربية تعيد تشكيل المشهد الرياضي في المنطقة.