قد لا يكون اليوم العالمي للغدة الدرقية من المناسبات المعروفة على نطاق واسع، لكنه يحمل رسالة صحية غاية في الأهمية. ففي كل عام، وتحديدًا في 25 مايو/أيار، يحتفل العالم بهذه المناسبة التي أطلقها الاتحاد الدولي للغدة الدرقية العام 2007، بهدف رفع الوعي العام حول دور هذه الغدة الحيوية في الجسم، والتشجيع على اكتشاف أمراضها مبكرًا.
في هذا اليوم، تنظم العيادات والمؤسسات الصحية حول العالم فعاليات تثقيفية وندوات طبية لتسليط الضوء على مشاكل الغدة الدرقية وكيفية التعامل معها. فما هي الغدة الدرقية؟ ولماذا تلعب دورًا محوريًا في صحة الإنسان؟
الغدة الدرقية هي غدة صغيرة على شكل فراشة تقع في مقدمة العنق، لكنها تتحكم بوظائف كبيرة داخل الجسم. تتمثل مهمتها الأساسية في تنظيم عملية الأيض أو التمثيل الغذائي، أي كيف يحوّل الجسم الطعام إلى طاقة.
وعلى الرغم من صغر حجمها، تنتج الغدة الدرقية هرمونين رئيسين: الثايروكسين (T4) وثلاثي يودوثيرونين (T3)، وهما المسؤولان عن تنظيم حرارة الجسم، معدل ضربات القلب، الوزن، والطاقة، إضافة إلى تأثير كبير على النمو، خاصة لدى الأطفال.
يُطلق مصطلح "مرض الغدة الدرقية" على مجموعة من الحالات الصحية التي تعيق هذه الغدة الصغيرة عن أداء وظيفتها في إنتاج الكميات المطلوبة من الهرمونات.
وعند حدوث خلل في الغدة، يتأثر الجسم بأكمله، بدءًا من عملية الأيض، مرورًا بدرجة حرارة الجسم، ووصولًا إلى نبضات القلب. وغالبًا ما يؤدي هذا الخلل إلى أحد حالتين: إما قصور في إنتاج هرموني (T4) و (T3)، أو إفراط فيهما، مما يُربك توازن الجسم الداخلي بشكل كبير.
وتنقسم اضطرابات الغدة إلى حالتين أساسيتين:
يحدث قصور الغدة الدرقية عندما تفشل الغدة في إنتاج كميات كافية من هرموني (T4) و(T3)، مما يؤدي إلى تباطؤ في وظائف الجسم الحيوية. وغالبًا ما ينتج هذا القصور عن نقص في معدن اليود، الذي يُعد عنصرًا أساسيًا في تصنيع هذه الهرمونات، أو نتيجة اضطراب مناعي يُعرف بـ"التهاب الغدة الدرقية هاشيموتو"، حيث يهاجم الجهاز المناعي الغدة نفسها.
وإذا لم يُعالج القصور في الوقت المناسب، فقد تظهر مجموعة من الأعراض المزعجة، مثل: ضباب الدماغ، تساقط الشعر، بطء في الأيض، إمساك، انتفاخ البطن، زيادة الحموضة، جفاف الجلد، حصى في المرارة، وارتفاع ضغط الدم. وهي أعراض قد تتفاقم مع الوقت وتؤثر بشكل كبير على جودة الحياة.
على النقيض من القصور، يحدث فرط نشاط الغدة الدرقية عندما تفرز الغدة كميات مفرطة من الهرمونات، مما يؤدي إلى تسريع غير طبيعي في وظائف الجسم الحيوية. السبب الأكثر شيوعًا لهذه الحالة هو اضطراب مناعي ذاتي يُعرف باسم "مرض جريفز"، حيث يهاجم جهاز المناعة الغدة بشكل خاطئ ويحفزها على العمل بشكل مفرط.
لكن مرض جريفز ليس السبب الوحيد، فقد تؤدي عقيدات أو أورام صغيرة داخل الغدة إلى إفراز الهرمونات بشكل مستقل عن الرقابة الطبيعية للجسم. كما يمكن أن ينجم فرط النشاط مؤقتًا بعد عدوى فيروسية أو فترة ما بعد الولادة، حيث تتسرب الهرمونات المخزّنة إلى مجرى الدم.
وهناك حالات أخرى يُحفّز فيها فرط النشاط نتيجة تناول جرعات زائدة من أدوية الغدة أو استهلاك كميات كبيرة من اليود سواء من خلال المكملات أو بعض الأدوية، خاصة لدى من لديهم حساسية مرتفعة تجاه هذه العناصر.
تظهر الأعراض، غالبًا، على شكل تسارع في ضربات القلب، فقدان غير مبرر في الوزن، شعور دائم بالقلق، وصعوبة في تحمل الحرارة.
تُعد اضطرابات الغدة الدرقية من الحالات الصحية التي يُمكن أن تمرّ من دون ملاحظة لسنوات، بسبب غموض أعراضها وتشابهها مع مشاكل صحية شائعة أخرى. فالإرهاق المستمر، تقلب المزاج، تغيّر الوزن، أو حتى بطء التفكير، كلها مؤشرات قد تُعزى بسهولة إلى الضغوط النفسية أو نمط الحياة، وليس إلى مشكلة عضوية في الغدة.
هذا الالتباس في الأعراض يجعل التشخيص الدقيق يتأخر غالبًا، ما يفاقم الحالة ويؤثر على جودة الحياة. وتشير التقديرات إلى أن ملايين الأشخاص حول العالم يعانون من اضطرابات في الغدة الدرقية من دون أن يدركوا ذلك، فقط لأن العلامات لا تبدو واضحة أو مقلقة في بدايتها.
تختلف طرق علاج اضطرابات الغدة الدرقية بحسب نوع الخلل الحاصل، سواء كان قصورًا في الإنتاج أو فرطًا في النشاط. ويهدف العلاج في كلتا الحالتين إلى استعادة التوازن الهرموني في الجسم، وتخفيف الأعراض التي قد تؤثر على جودة الحياة بشكل كبير. فيما يلي نظرة على الخيارات العلاجية المتوافرة لكل نوع من هذه الاضطرابات:
عند الإصابة بقصور الغدة، يهدف العلاج إلى تعويض نقص الهرمونات من خلال:
يُعد دواء ليفوثيروكسين (Levothyroxine)، وهو شكل صناعي من هرمون T4، العلاج الأساس. يتم تناوله يوميًا عن طريق الفم. يُساعد على إعادة مستويات الهرمون إلى طبيعتها، وتخفيف الأعراض خلال أسابيع قليلة من بدء العلاج.
يُعد علاجًا طويل الأمد وغالبًا مدى الحياة.
في هذه الحالة، يهدف العلاج إلى خفض إنتاج الهرمونات أو تقليل تأثيرها في الجسم:
تلعب الغدة الدرقية دورًا حيويًا في تنظيم عمليات الأيض والطاقة في الجسم، لذا فإن دعمها بالتغذية السليمة ضروري خاصة لمن يعانون من قصور أو تضخم في وظائفها. ووفقًا لموقع Healthline، فإن تناول أطعمة غنية بعناصر غذائية محددة قد يُساهم في تحسين صحة الغدة وتعزيز أدائها.
إذا كنت تعاني من قصور في الغدة، فاخترْ أطعمة تساعد على تعويض النقص في الهرمونات وتنشيط الجسم:
لمن يعانون من تضخم الغدة، يوصى بنظام غذائي متوازن يدعم الغدة عبر تعزيز استهلاك عناصر مثل اليود والسيلينيوم وفيتامينات B:
إذا كنت تعاني من أعراض غير مبررة مثل الإرهاق المستمر، تغيّرات مفاجئة في الوزن، تسارع في ضربات القلب أو تقلبات مزاجية حادة، فقد تكون الغدة الدرقية هي السبب الخفي. في هذه الحالة، يُنصح بمراجعة الطبيب لإجراء فحص دم بسيط لقياس مستويات هرمونات الغدة الدرقية.
كما أن وجود تاريخ عائلي مع أمراض الغدة يستدعي الفحص الدوري المنتظم، فكلما تم اكتشاف الخلل مبكرًا، كان العلاج أكثر فاعلية وسرعة في السيطرة على الأعراض، سواء كان قصورًا أو فرط نشاط.