هل أصبح من الصعب عليكِ إنهاء مهمة أو قراءة كتاب من دون مقاطعة؟ هل تجدين نفسكِ تنتقلين تلقائيًا إلى هاتفكِ أو تطبيقات التواصل الاجتماعي كلما شعرتِ بالملل أو التوتر؟ إذا كانت الإجابة نعم، فأنتِ لستِ وحدكِ.
تشير دراسة طويلة المدى نُشرت عبر موقع MedicalXpress إلى أن متوسط مدة التركيز أمام شاشة واحدة انخفض إلى 47 ثانية فقط، بعدما كان 2.5 دقيقة في العام 2004.
هذا التراجع الحاد في قدرة التركيز والانتباه يرتبط بعدة عوامل، أبرزها التعرض المستمر للمعلومات والأخبار المتلاحقة على مدار الساعة والشعور الدائم بعدم اليقين والضغوط النفسية اليومية إلى جانب الإفراط في استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي.
كيف فقدنا قدرتنا على التركيز؟
الدماغ البشري بطبيعته مبرمج على مراقبة البيئة والانتباه للتغيرات السريعة كوسيلة للبقاء. ففي الماضي، كان الهدف من هذه القدرة هو النجاة من خطر مفاجئ أو مفترس، أما اليوم، فقد أصبحت التنبيهات المستمرة من الهواتف الذكية، والإشعارات المتواصلة، وتدفق الأخبار السريع، هي العوامل الجديدة التي تستنزف انتباهنا وتؤدي إلى تشتيت ذهني مستمر.
ولم يتوقف الأمر عند التكنولوجيا، إذ تسببت جائحة كورونا في تغيير كبير في أنماط الحياة، حيث تضاعفت ساعات الجلوس أمام الشاشات وتشوّش الإحساس بالزمن؛ ما زاد من ضعف التركيز وصعوبة البقاء في حالة ذهنية ثابتة.
لكن رغم هذا التراجع، يؤكد الدكتور مايكل زيفرا، الطبيب النفسي في مركز "نورث وسترن" الطبي، أن استعادة التركيز ممكنة، مشيرًا إلى أن العديد من مرضاه الذين شعروا بالعجز حيال هذه المشكلة تمكنوا من تحسين قدرتهم على الانتباه عبر تعديلات بسيطة في نمط حياتهم وسلوكهم اليومي.
طرق فعالة لتحسين التركيز والانتباه
في زمن تسيطر فيه الإشعارات والمهام المتداخلة على يومنا، أصبح من الضروري تعلم طرق تحسين التركيز وتقوية الانتباه.
يقدم الخبراء مجموعة من الاستراتيجيات البسيطة التي تساعد في تدريب العقل على التخلص من التشتت الذهني وزيادة القدرة على الإنجاز.
1. فترات راحة نشطة
تشير الدراسات إلى أن الدماغ بحاجة إلى فترات قصيرة من الراحة النشطة ليستعيد قدرته على التركيز. اجعلي الراحة لا تتجاوز 30 دقيقة، ويفضل أن تكون نشاطًا حسيًا أو حركيًا، مثل المشي في الهواء الطلق، تحضير وجبة خفيفة والتحدث مع شخص مقرب.
تجنبي التمرير العشوائي في الهاتف، فهو لا يُريح العقل، بل يُغرقه في المزيد من المشتتات. كما يُفضل إغلاق التنبيهات غير الضرورية، واستخدام وضع "عدم الإزعاج"، خاصة عند النوم، بل ووضع الهاتف في غرفة منفصلة إن أمكن.
2. لا تقومي بأكثر من مهمة في آن واحد
رغم الاعتقاد الشائع بأن تعدد المهام يزيد الإنتاجية، فإن الحقيقة أن أداء المهام المتزامنة يشتت العقل ويقلل من جودة العمل. ركزي على مهمة واحدة فقط، خصصي لها وقتًا محددًا، ثم خذي استراحة بسيطة قبل الانتقال لغيرها.
3. ضعي هدفًا واضحًا لما تفعلينه
الهوايات مهمة، لكن الأهم هو أن ترتبطي بهدف واضح خلف ما تقومين به. سواء كنتِ تتعلمين العزف على آلة موسيقية، أو تمارسين رياضة معينة، فإن وجود نية متعمدة وجهد منتظم يخلق شعورًا بالإنجاز ويحسن الانتباه تدريجيًا.
ابدئي بما يجذبك فعلًا، لا بما تعتقدين أنه "الأفضل". شاهدي فيلمًا تحبينه، أو ابدئي بقراءة قصيرة، ثم طوري هواياتك شيئًا فشيئًا. ولا تنسي التحلي باللطف مع نفسك، فبعض الأيام ستكون مليئة بالإنجاز، وأخرى أقل إنتاجية، وهذا طبيعي.
التشتت تحدٍ عصري، لكنه قابل للتغيير
في عالمنا الرقمي المزدحم، لم يعد ضعف التركيز مشكلة شخصية فحسب، بل تحديًا يوميًا مشتركًا. لكن من خلال تطبيق هذه النصائح الفعالة لتحسين التركيز والتخلص من التشتت، يمكنكِ استعادة سيطرتك على وقتك وعقلك، وخلق بيئة ذهنية أكثر صفاءً واستقرارًا.
