في مشهد موسيقي عربي يشهد تحولات جذرية، تتقدم أسماء جديدة من عالم المؤثرين والبلوجرز لتقتحم ساحة الغناء، محققة أرقامًا قياسية في المشاهدات والاستماعات الرقمية، لتتجاوز أحيانًا كبار النجوم الذين لطالما تصدروا قوائم النجاح لعقود.
ومن بين هؤلاء، تبرز كل من بيسان إسماعيل ومس دعاء اللتين أصبحتا حديث الوسط الفني والجمهور بعد أن تخطت أرقام مشاهدات أعمالهما الغنائية الملايين في بعض المنصات.
أغنيات بيسان إسماعيل التي انطلقت من قناتها على "يوتيوب" مثل "خطية"، و"علاش" حققت ملايين المشاهدات في أيام قليلة، لتدخل سريعًا قوائم الأكثر تداولًا في عدد من الدول العربية.
مس دعاء التي جمعت بين شهرتها كبلوجر ومؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي وبين موهبتها الغنائية، تمكنت بدورها من تحقيق أرقام تخطت الملايين خلال ساعات من طرح أولى أغانيها "ماتحاوليش"، لتصبح من أبرز المنافسات على الساحة الرقمية.
في المقابل، نجد أن بعض الأعمال الحديثة لبعض نجوم الصف الأول لم تحقق خلال الفترة نفسها الأرقام الرقمية التي حققتاها هاتان المؤثرتان، رغم ثقل أسمائهم فنيًا.
يرى مراقبون أن سر هذا التفوق الرقمي يعود إلى قوة التفاعل الرقمي، فبيسان إسماعيل ومس دعاء تمتلكان قاعدة جماهيرية واسعة من متابعي منصات “يوتيوب”، “تيك توك” و“إنستغرام” ممن يتابعون حياتهما اليومية، وبالتالي يتحولون مباشرة إلى جمهور داعم لأعمالهما الغنائية.
كما أن الشريحة الكبيرة من المتابعين تنتمي إلى جيل الألفية وما بعده، وهو الجيل الأكثر نشاطًا على المنصات الرقمية، بعكس جمهور النجوم الكبار الذي لا يزال يعتمد بدرجة أكبر على الحفلات المباشرة والإذاعة.
والسبب الأخير، هو استخدام استراتيجيات بسيطة مثل التحديات القصيرة على “تيك توك” أو المقاطع المقتبسة من الأغنيات جعل الأعمال تنتشر كالنار في الهشيم.
هذا التحول الرقمي أثار نقاشًا واسعًا في الوسط الموسيقي العربي، إذ يرى الناقد الفني فوزي إبراهيم أن ما حدث يعتبر تغيراً في مفهوم النجاح، فالأرقام لم تعد مرتبطة فقط بالجودة الفنية أو التاريخ الفني، بل بقوة الحضور الرقمي والتأثير على المتابعين.
في المقابل، يرى آخرون أن هذه الظاهرة مؤقتة، وأن القيمة الفنية الحقيقية ستظل مع النجوم الكبار الذين يملكون رصيدًا طويل الأمد من الأغنيات الخالدة والحفلات الجماهيرية.
ما بين صعود أسماء جديدة من عالم السوشيال ميديا وتراجع نسبي لأرقام بعض كبار الفنانين على المنصات الرقمية، يبدو أن صناعة الموسيقى العربية تدخل عصرًا جديدًا عنوانه الأساسي: من يملك الجمهور الرقمي يملك النجاح.
شركات الإنتاج بدأت بالفعل في إعادة النظر في استراتيجياتها، إذ باتت تراقب حركة المؤثرين وتمنحهم عقود إنتاج ورعاية، بعدما كانت هذه العقود حكرًا على النجوم التقليديين.
التحدي المقبل أمام المطربين الكبار يتمثل في كيفية استعادة زمام المبادرة عبر تعزيز وجودهم الرقمي وتبني أدوات جديدة للوصول إلى الأجيال الشابة.