نجحت الفنانة السورية وفاء موصللي في ترك أثر حقيقي وصادق في وجدان الجمهور، إذ تعد واحدة من أبرز الوجوه النسائية في الدراما السورية بعد أن مضت بثبات في مسيرتها الفنية التي امتدت لعقود، وشكّلت حضوراً استثنائياً في التراجيديا والكوميديا، وبين الشخصيات الشعبية والنخبوية.
في حوار هذا الأسبوع، تغوص "فوشيا" معها في محطات الذاكرة، لنستعرض رؤيتها للواقع الفني، ونتوقف عند تحولات المهنة، إضافة إلى كشف تفاصيل من الحياة الشخصية والمهنية.
لا يمكن للفنان أن يكون راضياً تماماً عن مسيرته، لأن الطموح لا سقف له. أحاول دائماً أن أقدّم الأفضل والأميز، ورغم مسيرتي الطويلة ما زلتُ أطمح إلى التعلم المستمر واكتساب مهارات جديدة. لكنني، من جانب آخر، راضية عن نفسي لأني تركت أثراً في بعض القلوب، وهذا يكفي.
كانت رحلة صادقة بكل ما فيها من ألم وحب وتعب وخفة، كانت طويلة، صعبة، وممتعة في آنٍ واحد، مررتُ خلالها بمراحل عدّة، بدءاً من الدراسة الأكاديمية وصقل الموهبة والمهارات، مروراً بدخول ساحة العمل وما رافقها من عقبات، ووصولاً إلى مرحلة الشهرة محلياً وعربياً. وكانت المرحلة الأصعب هي الانتقال من الدراسة إلى الاحتراف، وهو أمر طبيعي في كل المهن كالطب والهندسة، وليس في التمثيل فقط. كما أنني صقلت مهاراتي كممثلة مسرح، ثم تلمّست خطواتي الأولى نحو التلفزيون والسينما. صحيح أن التمثيل هو القاسم المشترك بين هذه المجالات، لكن تكنيك الممثل يختلف من مجال إلى آخر.
أعتقد أن الفن أنصفني من حيث الأدوار التي قدّمتها، ففي مرحلة الصبا كنتُ أسند بالأدوار التي تناسب عمري باعتبار أن الفئة العمرية من 20 إلى 45 عاماً هي الأكثر فاعلية وتأثيراً في المجتمع. لكن في ذلك الوقت، لم تُعرض الأعمال أمام جمهور واسع لغياب الفضائيات، ورغم ذلك، فإن بعض الأدوار رسخت في ذاكرة الناس. ولو أعيد عرض تلك الأعمال لنالت إعجاب الناس من جديد، والدليل مسلسل "حارة نسيها الزمان" الذي أنتج عام 1988 وحاز إعجاب كثيرين عند إعادة عرضه لاحقاً. وحتى الآن، مازلت أقدّم أدواراً مهمة، لأني أؤمن بمقولة ستانسلافسكي "لا يوجد دور صغير ودور كبير بل يوجد ممثل صغير وممثل كبير". لذلك لا يهمني حجم الدور بقدر ما تعنيني قوته وتأثيره وأهميته وما يتطلب من جهد وإبداع.
المرأة ليست جزءاً من الفن، بل هي في قلبه ولغته وروحه، وكانت وما زالت تكتب وتخرج وتنتج وتمثل، ومنذ نشأة الدراما السوريّة، كان للمرأة دور كبير في بناء أساساتها المتينة، ولا تزال إحدى ركائزها الأساسية. الدراما السوريّة تقوم على البطولة الجماعية وتعكس صورة المجتمع الحقيقية، لذلك فقد سلّطت الضوء على المرأة بكل حالاتها، وقدّمتها كإنسانة تُعاني وتُكافح، تُهمّش وتهمل، ولكنها أيضاً تُبدع وتنجح وتتحمل أعباء الحياة داخل المنزل وخارجه.
لا لم أعان من ذلك قط، ربما هذه المعاناة كانت من نصيب الرعيل الأول فقط، لأن المجتمع لم يكن يتقبل رجلاً يعمل في التمثيل، فكيف بالمرأة؟ والدليل ما حصل مع أبي خليل القباني، رائد المسرح العربي، عندما أُحرق مسرحه. أما من ناحيتي، فقد كان أهلي داعمين لي وسنداً حقيقياً، ولم أكن محسوبة على شلة فنية معينة، بل كانت الأدوار تأتيني بشكل تلقائي عندما أكون مناسبة لها.
لم يكن شخصاً واحداً بل عدة أشخاص في مراحل عمرية مختلفة. فنياً، أذكر منى واصف وعدنان بركات ومحمد جركس. جميعهم ساعدوني في بداياتي سواء في الإذاعة أو والتلفزيون أو المسرح، ولهم فضل عليّ لا يمكن أن أنساه. أما على المستوى الشخصي، فكانت والدتي وجدتي الداعمتين الأكبر لي. جدتي، تحديداً، كانت تعاملني كصديقة رغم فارق السن، وكانت تقف إلى جانبي دائماً.
أتقبل النقد البنّاء برحابة صدر، لكنني لا أعير اهتماماً للكلام المغرض والجارح، وأتجاهله تماماً، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
الدور الذي منحني الشهرة كان شخصية "صالحة" في مسلسل "أبو كامل" مطلع تسعينيات القرن الماضي. لكن قبلها، قدّمت دور "نوال" في مسلسل "الطبيبة" في أواخر الثمانينيات، وهو الدور الذي عرّف الناس بي ومنحني محبتهم. أعتقد أن هذين الدورين كانا محوريين في مسيرتي وأسّسا لحضوري الفني.
على الصعيد الدرامي لا، لكنني ندمتُ مرة واحدة على مشاركتي في برنامج "الكاميرا المرئية"، لأنني لم أجد نفسي فيه، ولم يكن مكاني الحقيقي. هذا البرنامج سبّب لي أزمة جعلتني أبتعد لفترة وألتزم المنزل، رغم أن الناس أحبّوه. في تلك الفترة، أخرجني المخرج بسام الملا من هذه الحالة عبر مسلسل "الخشخاش". شعر بي وأصر على إشراكي في العمل، وأنا ممتنة له كثيراً، وربما لولا هذا الدور الذي كسر الحاجز، لكنتُ توقفت عن التمثيل حتى الآن.
أحترم بسام الملا كثيراً، فقد كان عاشقاً لدمشق وخدمها من خلال مسلسلاته. وقد اعتذرتُ بعد أن انتقل العمل إلى جهة إنتاجية أخرى، احتراماً لمشروعه الذي حقق نجاحاً كبيراً. الجزءان الأولان حققا نجاحاً لا نظير له، ورغم بعض الانتقادات التي طالت الأجواء اللاحقة، فإن العمل بقي يُتابع بشغف في الوطن العربي، وحتى يتابعه المغتربون العرب في أنحاء العالمية. ويعود سبب شهرته إلى تقديمه البيئة الشامية الجاذبة بديكوراتها وأجوائها وحاراتها وعائلاتها وأكلاتها، وأصبح كالوجبة الرمضانية التي ترافق شهر الخير كل عام وتجمع العائلة يومياً بعد فترة الإفطار. وللعلم، ساهم العمل في تعزيز السياحة من خلال الناس التي قصدت الشام خصيصاً لزيارة مواقع التصوير. كما له الفضل على نجومية كثير من الممثلين الذين شاركوا فيه.
لا أؤيد سياسة الأجزاء لا في "باب الحارة" ولا غيره، باستثناء المسلسلات التي كُتبت أصلاً على أجزاء مثل "حمام القيشاني" الذي كان يستحق أجزاء عدة، لأنه رصد فترة تاريخية مهمة في تاريخ سوريا السياسي والاقتصادي والاجتماعي. أنا مع الأجزاء فقط عندما تكون مدروسة ومكتوبة مسبقاً، أما عندما تُفرض نتيجة رغبة الجمهور أو بسبب النجاح، فإن العمل يفقد بريقه، ويضطر لاختلاق أحداث تبتعد عن الفكرة الأصلية، لأن لكل عمل فكرة والهدف الأعلى.
شخصياتي السابقة قدمتني محلياً، لكن "فريال" منحتني شهرة عربية، ورغم أن الشخصية شريرة ولم تكن ذات مساحة كبيرة على الورق، إلا أن الجمهور أحبها وشعر أنها أساسية في العمل. بذلتُ فيها جهداً كبيراً، وهي من أقرب الشخصيات إلى قلبي.
شعور لا يمكن وصفه، خاصة أنني أصبحتُ محسوبة على "الزمن الجميل" وسط نخبة من رموز الفن العربي. واعتبرتُ نفسي من الرعيل الأول لأني من خريجي الدفعة الأولى في المعهد العالي للفنون المسرحية، وبالتالي وجودي في هذا المهرجان كان مستحقاً. قبل ذلك كُرمتُ كثيراً في سوريا وفي عدة بلدان عربية، وقد أنصفتني تلك التكريمات، وشعوري يتجدد بالفرحة والانتشاء والبهجة العارمة مع كل مرة أقف فيها على منصة التكريم.
أبداً، لا أعتقد أن الدراسة الأكاديمية تمنح الأفضلية، فالكثير من الزميلات لم يدرسن التمثيل، لكنهن متميزات جداً ويمتلكن ثقافة عالية، والأمثلة على ذلك كثيرة، لا يمكن حصرها.
يظن البعض أنني أشبه بعض الشخصيات التي قدّمتها، لكنني في أغلب الأحيان بعيدة كل البعد عنها. ومن الطبيعي أن أتأثر بالشخصيات التي أقدمها لعدة أيام بعد انتهاء التصوير، كما حصل في مسلسل "حرملك" حين أديت شخصية "زكية" صاحبة التسعين عاماً، ذات الصوت الأجش والإيقاع البطيء، فوجدتُ نفسي أشبهها في حياتي اليومية لعدة أيام فقط.
نعم أصبحت هذه المواقع من العوامل المؤثرة جداً في تقييم الفنان، لكن تأثيرها ليس إيجابياً أو عادلاً دائماً. أحياناً يُحكم على الفنان من خلال منشور أو شائعة، لا من خلال أعماله الفنية. المسلسل الذي ينجح بسبب مواقع التواصل يُنسى سريعاً ولا يستمر، أما العمل الحقيقي فيبقى ويُخلّد.
عشنَ حالة من الشغف، وطورنّ أدواتكن باستمرار، وسّعن ثقافتكن، واقرأن روايات واستمعن للموسيقى واطلعن على ثقافات مختلفة. لا تقارنّ أنفسكن بغيركن، وتقبلن النقد، وكنّ صادقات مع أنفسكن، واعملن على معرفة حقوقكن وواجباتكن، ولا تكن فريسة لقلة الخبرة.
لا أحد يشبهني ولا أشبه أحد، لأن لكل فنان خصوصيته التي تُحترم. لكني معجبة بأداء عدد من الممثلات منهن: رشا بلال ونانسي خوري وجفرا يونس ونور علي وغيرهن كثيرات.
هذا السؤال يوجه للنقاد، فأنا كممثلة لا أقيّم، لكن طالما أن لدينا كتّاباً وفنانين ومخرجين مهمين فإن الدراما السورية ما زالت بخير.
نعم، للدراما السورية مكانتها المرموقة على المستوى العربي، وهي مطلوبة ومحبوبة لأنها صادقة، وعميقة، وقريبة من الناس.
لا، لم ولن تسحب البساط، لأنها ظاهرة مؤقتة قد تتلاشى في أي وقت.
أنا كفنانة أحتاج إلى هذا النوع من الدراما، فالكوميديا فن عريق لا يستهان فيه، وأقصد هنا الكوميديا الحقيقية، البعيدة عن التهكم والسخرية السطحية. وأعتقد أن الناس بحاجة إلى الضحك في ظل هذه الظروف الصعبة. أما عن العقبة التي تحول من دون عودتها فأنا لا أعرفها، ويُفترض أن يُسأل عنها الكتّاب والمنتجون.
لستُ مع الثوابت التي تفيد بأن تبقى ابنتي بجانبي طوال الوقت، فابنتي شقت طريقها، ونجحت، وتميزت، وتمتلك النضوج الكافي لتعيش بعيداً عني، لأنها صاحبة فكر مستقل، وثقتي فيها كبيرة، وأنا فخورة فيها. وبفضل وسائل التواصل، نحن على تواصل دائم، نتحدث ونتناقش ونفكر معاً. صحيح أنها بعيدة عني جغرافياً، لكنها قريبة من قلبي ولا تغيب عن تفكيري لحظة واحدة.
شاركت نايا في عمل واحد وبالصدفة، وعندما نجحت في الشهادة الثانوية، لم تكن ترغب في دراسة التمثيل، بل اتجهت إلى الهندسة، وكان هذا شغفها. وعندما أصبحت في السنة الثالثة من دراستها، حاول أصدقاؤها إقناعها بالتحول إلى دراسة التمثيل، لكنني رفضت، وطلبت منها أن تكمل في الهندسة لأنها اختارته عن قناعة.
أنا أم متفهمة جداً، قد أكون صارمة فقط فيما يتعلق بالدراسة، أما باقي الأمور فنناقشها ونتبادل الآراء بشأنها.