فيديو

2 مارس 2020

كاريس كروسبي.. امرأة حررت النساء من العذاب بقطعة قماش وسلك!

مهما كانت مشاعرك تجاه حمالات الصدر.. تحبينها أو تكرهينها، فمن المؤكد أنك ستجدين الراحة عند إزالتها فور دخولك غرفتك الخاصة، حيث ستدينين بالعرفان والشكر لمخترعتها ماري فيلبس يعقوب - المعروفة باسم كاريس كروسبي، التي غيرت شكل المرأة العصرية إلى الأبد، وخلصتها من اضطهاد مشد الخصر، الذي حطم عظام النسوة وعذبهن في السنوات الماضية، قبل ظهور وميض فكرة كروسبي على عجل.

منديل من الحرير.. إبرة وخيط:

تعود تفاصيل قصة حمالة الصدر الحديثة، عندما كانت كروسبي، ذات الـ 19 عاما وتنتمى إلى عائلة بوسطنية ثرية، تجهز نفسها للذهاب إلى إحدى الحفلات الصاخبة، حيث ارتدت ثوبها المسائي الرقيق على مشد الخصر، الذي كان اللباس الداخلي المعتاد للنساء في ذلك الوقت، لكنها عندما تمايلت في المرآة انزعجت لعدم تناسق جسمها، وبروز قطع من الفستان غير مرغوب فيها، كما شعرت كروسبي بعدم الراحة في الفستان الناعم الباهظ الثمن. دعت كروسبي خادمتها، وطلبت زوجَيْ مناديل من الحرير، وسلكا، وشريطا ورديا، وإبرة، وخيطا.

وبدأت ربط هذه العناصر، التي تبدو عشوائية، وحياكة القطعة بإتقان، وعند الانتهاء اتضح أنها معالم حمالة صدر لا تشبه ما سبقها، خفيفة وناعمة، وتؤدي الغرض منها، وهو إبراز صدر المرأة مع الكثير من الراحة.

تقول كروسبي، في مذكراتها: "خلال الحفلة كنت أبدو جذابة جدا، وخفيفة كالريشة، منتعشة لدرجة أن أصدقائي ظلوا يتساءلون تلك الليلة عن السر الذي أخفيه تحت فستاني.

عبقرية الاختراع البسيط (البرا):

بعد فترة من اختراع كروسبي هذه الحمالة، توافدت إليها الصديقات، وطلبن مشدات مماثلة. انتشر الاختراع بين النسوة، وأعجبن به أشد الإعجاب. في أحد الأيام عرضت عليها إحدى النساء أن تشتري منها الحمالة مقابل دولار واحد، وقتها أدركت كروسبي عبقرية الاختراع البسيط، وقامت بمخاطبة مكتب براءات الاختراع الأميركي برسالة مفادها أن حمالة الصدر، التي اخترعتها "عارية الذراعين"، وتفصل بين الثديين، وتتلاءم مع مختلف أحجام وأشكال الملابس، وعبارة عن قطعة بسيطة وناعمة وسهلة الارتداء، حتى خلال ممارسة الرياضات العنيفة والسريعة الإيقاع، مثل التنس والجري.

في الـ 3 من نوفمبر 1914، وافق مكتب براءات الاختراع على طلبها؛ ما جعل كروسبي تحصل على ملكية حمالة الصدر الحديثة بلا ذراعين، أو مايعرف بـ"البرا".

تقول الأستاذة المساعدة بجامعة ولاية بوفالو، لينبورادي، في مقابلة مع مجلة التايم:"لقد كان وزن حمالة الصدر خفيفا جدا، وتربط حول الرقبة، لقد كانت تشبه (البكيني) أعلى الرسن، ولكن ليست مطابقة له تماما".

بعد فترة، سارعت كروسبي إلى افتتاح شركة صغيرة في بوسطن، حيث قامت بتوظيف نساء لتصنيع الصدريات الحديثة.

وبعد جني القليل من العوائد المالية، قررت كروسبي- في خطوة مفاجئة- إغلاق الشركة، وبيع براءة الاختراع لشركة وارنر براذركو رسيت مقابل 1500 دولار، لتكسب الشركة خلال سنوات قليلة فقط أكثر من 15 مليون دولار.

تقول كروسبي: "لا أستطيع أن أقول إن حمالة الصدر ستأخذ مكانا رائعا في التاريخ مثل الباخرة، لكنني اخترعت ذلك".

الحرب العالمية.. والحديد.. والحمالة:

بعد وقت قصير من اختراع حمالة صدر كروسبي، وبالتحديد عام 1917، طلب مجلس صناعات الحرب الأميركية من النساء التوقف عن شراء مشدات الخصر (الكورسيهات)، من أجل الحفاظ على المعادن لإنتاج معدات الحرب، حيث وفرت هذه الخطوة نحو 28 ألف طن من المعادن كانت تستخدم في إنتاج مشدات الخصر، وهو يكفي لبناء سفينتين حربيتين.

وشجع القرار على زيادة الإقبال على شراء حمالة الصدر، كما أسهمت الحرب العالمية الأولى هي الأخرى في ذلك، حيث خرجت النساء إلى العمل في المصانع بدل الرجال، وكن يحتجن إلى ملابس داخلية عملية ومريحة.

وبحلول نهاية الحرب، كانت النساء في أميركا الشمالية وأوروبا يرتدين أعدادا كبيرة من حمالات الصدر، رغم عدم وجود نقص في المعدن.

حمالة الصدر.. همنغواي وسلفادور دالي:

بعد أن باعت كروسبي براءة الاختراع، طُلقت من زوجها الأول، وتزوجت بطل الحرب البالغ من العمر 22 عاما هاريكرو سبيوس وسافرت إلى فرنسا، وهناك اختلطت مع الفنانين والاجتماعيين، والتقت الكتاب، ودرست الأدب.

وكان من بين أصدقائها سلفادوردالي، بيكاسو، كونستانتين برانشوي، وجيمس جويس، وبدأت - برفقة زوجها- في كتابة ونشر رواياتها الكثيرة، وكانت أولاها "صليب الذهب".

كما قامت كاريس، وزوجها هاريكروسبي، بتأسيس Black Sun Press، والتي كان لها دور أساس في الأعمال المبتكرة لبعض المؤلفين الحداثيين الناشئين، بمن فيهم هارتكرين، ودوكايبويل، وإرنست همنغواي، وجيمسجويس.

عاشت كروسبي حياة صاخبة ومجنونة برفقة زوجها؛ إذ سافرا حول العالم، وكتبا الشعر، وأنفقا أموالا مثل الماء، متجاهلَيْن أي شيء قبل أن يخدعها زوجها هاري مع عشيقته ويقتل في الفندق، عادت كروسبي إلى واشنطن وافتتحت غاليريا، وأسست مجلة Portfolio للفنون والأدب، ونجحت في الزواج لمدة ثلاث سنوات من لاعب كرة القدم مسيلبرت يونغ، الذي كان يبلغ من العمر 18 عاما.

وبحلول الخمسينيات من القرن الماضي، عادت إلى الأضواء والشهرة، حيث دخلت مجال السياسة، وأسست منظمتين تهدفان إلى تحسين الدبلوماسية الدولية: «النساء ضد الحرب»و «مواطنات العالم».

لكن عند وفاتها بعمر 78 عاما، بسبب مضاعفات الالتهاب الرئوي في روما، ركزت مجلة TIME الخاصة بها على إسهاماتها في الكلمة المكتوبة، واصفة إياها بـ«العرابة الأدبية» إلى «الجيل الضائع» من الكتاب الأجانب في باريس.