يمثل الطلاق نقطة تحوّل كبرى في حياة الأسرة، وغالبًا ما يصاحبه تغييرات عاطفية وسلوكية تحتاج إلى وقت لاستيعابها، خصوصًا من قِبل الأطفال. ففي الوقت الذي يسعى فيه كل من الوالدين لإعادة بناء حياته والتأقلم مع واقعه الجديد، تبقى مشاعر الأبناء هشة، ومعلّقة بين الخوف من فقدان الاستقرار والرغبة في الشعور بالأمان.
مع مرور الوقت، قد يدخل شخص جديد إلى حياة أحد الوالدين، وتتطور العلاقة ليصبح من المنطقي التفكير في تعريف الأطفال عليه. وهنا تبدأ الحيرة: هل هذا هو الوقت المناسب؟ هل سيتقبل الطفل وجود شخص آخر؟ وهل يمكن لهذه الخطوة أن تُربك مشاعره أو تهز ثقته بمن حوله؟
الواقع أن تقديم الشريك الجديد للأطفال ليس مجرد قرار عابر، بل لحظة حسّاسة تتطلب الكثير من الوعي، والتخطيط، والتفاهم بين البالغين. فهي لا تخصّ الراشدين فقط، بل تمسّ عالم الطفل الداخلي، وتعيد تشكيل منظومته العاطفية التي قد لا تزال متأثرة بانفصال والديه.
ليس هناك وقت مثالي واحد يناسب جميع الحالات، فكل عائلة تمرّ بتجربة الطلاق بطريقتها الخاصة. لكن ما يُجمع عليه المتخصصون هو أن الاستعجال في التعريف قد يربك الطفل ويشعره بعدم الأمان، خصوصًا إن لم يكن قد تأقلم بعد مع فكرة الانفصال.
قبل اتخاذ خطوة التعريف، من الأفضل أن تكون العلاقة الجديدة مستقرة ومبنية على نية الاستمرارية، لا مجرد تجربة عابرة. الأطفال بحاجة إلى الثبات، لا إلى سلسلة متغيرة من الوجوه الجديدة في حياتهم.
مهما كانت طبيعة العلاقة بين الوالدين بعد الطلاق، من المفيد أن يتفقا قدر الإمكان على طريقة تقديم الشريك الجديد للطفل. هذا لا يعني طلب الإذن، بل احترام الطرف الآخر والتعاون لتقليل التوتر والارتباك لدى الطفل. في بعض الحالات، يمكن الاستعانة بمرشد أسري أو منسّق بين الأهل لتسهيل الحوار وتحديد الخطوات المناسبة.
يُفضَّل أن تكون الخطوة الأولى بسيطة وغير رسمية، في مكان عام ومريح للطفل، كحديقة أو مقهى عائلي، على ألا يكون اللقاء طويلاً أو محمّلاً بالتوقعات. الهدف من اللقاء الأول هو جعل الطفل يشعر بالأمان وعدم التهديد، وليس فرض علاقة جديدة عليه.
مع الوقت، يمكن توسيع اللقاءات تدريجيًا، وفقًا لتفاعل الطفل وراحته، دون الضغط عليه لتكوين علاقة فورية. ومن الأفضل تأجيل الزيارات الليلية أو الإقامة المشتركة إلى حين ترسيخ الثقة والتفاهم.
عندما تكون العلاقة بين الوالدين متوترة أو مشحونة، يصبح من الصعب الاتفاق على طريقة تقديم الشريك الجديد. في هذه الحالة، يُنصح باللجوء إلى مرشد نفسي أو قانوني متخصص بالأسر بعد الطلاق، لتجنّب التصعيد أو الوقوع في صراعات قانونية قد تؤثر سلبًا على الطفل.
من المهم أن يدرك الأب أو الأم أن بناء علاقة مع شريك جديد لا يجب أن يأتي على حساب العلاقة مع الطفل. كما أن الطرف الآخر من الوالدين يجب أن يتجنب عرقلة هذه الخطوة بشكل غير مبرّر؛ ما لم يكن هناك خطر حقيقي على سلامة الطفل.
في النهاية، الهدف هو بناء بيئة مستقرة ومحبة للطفل، مهما كانت التغييرات في الحياة الأسرية. لا توجد وصفة واحدة تناسب الجميع، لكن بالتفاهم، والصبر، واحترام احتياجات الطفل، يمكن تحويل هذه المرحلة إلى بداية صحية لتوازن عائلي جديد.