بعد سلسلة من أيام العطاء والحب والتفاني للأبناء، تأتي لحظة ما وتتحول الأم إلى جدة، لتتوج العائلة بقدوم الحفيد الأول، وهي لحظة فارقة ومميزة من عمرها، فتغمرها فرحة لا توصف، ويخف ثقل السنين المتراكم على أكتافها، وتشعر بخفة مجددة وتقبل على الحياة، لتجدد من عطائها المستمر ولكن بطريقة مختلفة.
فهذه المرة ليست للأبناء بل لأبناء الأبناء (الأحفاد) حيث تسارع كل أم لاختيار الطقوس التي تراها مناسبة للاحتفال بالحفيد الأول، وتبتكر وسائل وتبحث عن التميز في التعبير عن قوة العلاقة التي تربطها بحفيدها لشعورها بحنان فطري وعطف يتفجر في ثنايا قلبها ويتم تداوله بين الأجيال في العائلة.
ولكن عزيزتي، هل تراودك أحيانا تساؤلات أو مخاوف منها "هذا الحفيد سيؤكد كبر سنكِ"؟.
الاختصاصية التربوية الدكتورة أمل بورشك تتحدث حول ذلك بقولها، "تشعر الجدة برابطة جديدة تنمو وبقوة بينها وبين الحفيد، تختلف عن كل الروابط مع الأبناء وتستشعر تفهم الحفيد لخبرتها، وحكمتها رغم فارق السن والخبرات الكبرى في الحياة، وقد تدفعها هذه الرابطة للتنازل عن كثير من الأمور لأجل حفيدها، فهو منحها شعورا جديدا وفريدا لا يوصف، وهي ترى فيه استمراريتها وقدرتها على العطاء في مرحلة ابتعد عنها أبناؤها لانشغالهم بالحياة ومشاغلها فتعوض الفراغ الناتج بحفيدها".
وتضيف بورشك "لكن في زمن الألفية الثالثة، والحفاظ على الجمال الدائم، ومحاربة خطوط الابتسامة على الوجه، قد ترى بعض الأمهات أن هذا الحفيد يؤكد لها كبر سنها، ويشعرها بابتعاد أبنائها عنها، واهتمام العائلة بقدومه، وهو مصدر إزعاج وخاصة إذا كانت علاقتها بأبنها وزوجته غير سوية؛ ما يؤثر على نظام حياتها ويتطلب مجهودا يتعارض لقلة قدراتها الجسدية، فتتهرب من تواجدهم حولها؛ لأنهم إنذار الشيخوخة والكبر والخوف من الهرم وتحمل المسؤولية، وهي تعتز بإنهائها لمسؤولياتها ولا رغبة لها بالمزيد من الاهتمام بالأطفال ومتابعة شؤونهم".
ووفق الاختصاصية بورشك "بغض النظر عن المشاعر الجميلة الفطرية أو الإحساس بالامتعاض من اقتراب وداع الدنيا يبقى تأرجح دور الجدة مبنيا على الحنان الفطري المتدفق ويأبى الانصياع لرغباتها؛ فتجد تحولا في حياتها بطريق مباشر أو غير مباشر، فتجد التغير قد أحاطها بالكثير من الأمور وأهمها أن تكون حبيبة ولينة وهادئة الطبع لتفجر عاطفي لا تستطيع إلا أن تعبر عنه بطريقة ما وأن تتوقع تواجده في محيطها بين لحظة وأخرى ودون إخطارها، بالإضافة إلى اهتمامها بالحنو على الحفيد ورغبتها في حمله لدرجة قد تنسى معها أنه ليس طفلها وتزاحم الوالدة عليه لتدندن على مقولة (ما أعز من الولد إلا الولد)، وهي تحبه اليوم لأنه امتداد لحب ابنها وابنتها ويذكرها بهدهدتهم وهم أطفال".
ومن أوجه التغير أيضا، تقول بورشك "تجد أن العلاقات الأسرية أصبحت أقوى، لاستشارتها والاستماع لنصحها لمواجهة قلة خبرة الاخرين في تربية الحفيد والاستعانة بها بين الحين والآخر لأمر ما، وتشعر باشتياق لرؤية حفيدها بين الحين والآخر، فهو يدفئ حضنها ويجدد المحبة بلمساته الناعمة والرقيقة وبراءته المتناهية، فهي تجدد الأمل في ابتسامته، كما تفقد الإحساس بالزمن في حال تواجد الحفيد، وتتنازل عن كل ماكنت تعتبره ضروريا في تربية أبنائها، فلا ضير أن تكون أقل صرامة؛ فالرقة والعطف أصبحا مسيطرين على روحها".
وتضيف "تزداد المسؤوليات على الجدة وهي تسعد لحضور الحفيد وتعد له مكانا خاصا وتحتفظ بخصوصياته؛ ولكنها تتطلع للراحة بعد مغادرته لشعورها بالضجر والصخب ورغبتها بالاستلقاء، وهذا يعتمد على صحة الجدة وبنيتها ونفسيتها، كما لا بد من الحفاظ على مسافة أمان في علاقتها مع الحفيد، وهذا أمر حساس فقد تتعامل معه بطريقة فطرية اعتادت عليها ولا تتناسب مع ما يتطلع إليه أبناء الأجيال الحالية، فلابد أن تكون حذرة في أفعالها وانفعالاتها، ولا بد أيضا أن تتذكر أنها ليست الأم بل الجدة، فتجد صعوبة في إدارة عواطفها وتتحسس بسهولة حتى تتقبل موقعها من الحفيد".
وبحسب الاختصاصية بورشك "فإن عدم مقدرتها على تقبل التغييرات المتسارعة في العادات والتقاليد ودور الأهل والتجانس معهم يسبب لها الضغط النفسي وعدم تعاون الجميع معها في استقباله، فضلا عن أن تحقيق الرضا والإشباع النفسي للنجاح بالحياة، فلا يوجد يوم عطلة، ذلك أن الحفيد يدخل الفرح إلى قلبها ويغير الكثير من الأمور في العائلة؛ ما قد يسبب لها مشاكل مع الآخرين لفقدانها التوازن عند رؤية الحفيد، وتشير كثير من الدراسات إلى أن التواصل الإيجابي مع الأحفاد يكون في صالح الطرفين صحيا ونفسيا ويزيد من مناعة الجسم للأمراض لارتفاع الدافعية للحياة والإقبال على الحياة فهم سبب من أسباب طول العمر".