يطمح الأهل بأن يدرس أبناؤهم تخصصات معينة تندرج ضمن أمنياتهم، وبذات الوقت لا تحظى هذه الأمنيات بقبول الأبناء، مما يولد مشاحنات أو خلافات بين الوالدين والابن حول ذلك.
فكيف ستواجهين عزيزتي الأم تعارض رغبتك في دراسة أبنائكِ مع تطلعاتهم؟، وهل ستواجهين الأمر بإصرار وحزم أم بتقبل دراسة وطموح الأبناء؟.
الأخصائية التربوية الدكتورة أمل بورشك ترشدك للحل بالقول "إن موضوع اختيار تخصص معين بحد ذاته يعود لعوامل كثيرة منها المعدل والوضع الاقتصادي والاجتماعي ومتطلبات سوق العمل المستقبلية، ولكن كل هذه العوامل يسبقها رغبة الأبناء؛ لأنها مفتاح التميز والإبداع بما يتوافق وقدراتهم وميولهم وطموحاتهم، ولا يمكن الاستهانة بقوة الرغبة والشغف في تحقيق النجاح للأبناء".
وتضيف بورشك "لكن هناك الكثير من الآباء والأمهات الذين يفرضون رغباتهم على أبنائهم، ويتشددون في أساليب إقناع الأبناء معتمدين على ما يناسب أحلامهم لمجاراة مجتمعهم، أو بناء على تجاربهم الشخصية، فهم يرون تخصص أبنائهم مرآتهم التي يتباهون بها أمام الآخرين لأمور شكلية بحتة، وبناء على كثير من التجارب لأبناء اختاروا تخصصا ما دون رغبة منهم والتي تسببت في هدر التعليم بعد اختيار تخصص ما أو تأجيل الدراسة أو اللجوء للزواج أو ترك الدراسة أو قضاء العديد من السنوات الجامعية بإحباط".
وبناء على ما ذكر، تنصح بورشك الأم والأب بتهيئة البيئة الأسرية المناسبة والداعمة للتعلم الموجه من خلال اللعب والنشاطات اللامنهجية الموجهة للمهن بشكل عام لاستكشاف قدرات الأبناء وميولهم ورغباتهم.
كما تنصح بالحرص على وجود توافق بين رغبات الأبناء والأهل للوصول إلى حالة من الاتزان والشعور بالراحة والطمأنينة النفسية والمعتمدة على تحقيق رغبات الأبناء، بالإضافة إلى الابتعاد عن أسلوب التهديد والتنديد بالعقوبة، أو المقارنة بأبناء الآخرين مهملين قدرات أبنائنا الحقيقية لفرض تخصص ما عليهم.
وتدعو بورشك أيضا إلى ضرورة وجود علاقات أسرية مليئة بالحب والمودة والتفاهم والحوار البناء؛ ما يسهل انتقال الفكر الإيجابي بين الأبناء والأهل ويقلل الفجوة أو تشكل الخصومات والتشنجات التي تربك الطرفين، وكذلك احترام رغبة الأبناء فهي التي ستساعدهم على مواجهة تحديات الحياة الجامعية والمهنية مستقبلا وتشعرهم بنوع من تحمل المسؤولية وغرس الثقة بالنفس لديهم.
كما تدعو إلى مواجهة رغبات الأبناء وعدم معاكستها بل تقديم الدعم الكافي والوافي بدراسة جوانب القوة في التخصص الذي اختاروه والوقوف على جوانب الضعف لديهم والمعتمدة على أسس علمية وبناء على احتياجات سوق العمل.
وهنا تشير بورشك إلى أنه "قد يكون قرار الابن غير سليم؛ وهنا لابد من تظافر جهود الأهل والاستعانة بمتخصصين لإرشاد ابنهم على تحديد المشكلة وإيجاد البدائل المناسبة له بجمع البيانات عن تطلعاته وطموحاته المستقبلية؛ لأن الدراسات تشير إلى أنه كلما كان التفاعل إيجابيا بين الأبناء والأهل يزيد من قدرته على التكيف ورضاه عن حياته الدراسية".
وتضيف "امتلاك الأهل سمات إيجابية في العائلة لمواجهة مشكلات الابن ومعالجة نقاط ضعفه يساعد الطرفين على توحيد تطلعاتهما المستقبلية، بالإضافة إلى الاطلاع على التخصصات العصرية والمنبثقة عن تخصصات قد يرغب بها الابن؛ فقد تكون من التخصصات المطلوبة في سوق العمل وذات دخل مرتفع".
وشددت بورشك على أهمية ابتعاد الأهل عن التذمر المستمر من تخصص ما أو كره مهنة ما أو النظرة الدونية لها يعيق تشكل اتجاهات ايجابية لاتخاذ القرار السليم لدى الابن، وعدم التعامل مع الأبناء وكأنهم أطفال، ولابد من الثقة بقراراتهم واحترام رغبة الأبناء.
كما تدعو بورشك إلى تقبل اختيار الأبناء حتى لو كان لا يرضي الآباء وتوجيههم نحو استثمار طاقاتهم للتميز والإبداع، لافتة إلى أن سوق العمل يتطلب شخصية سوية وقادرة على المبادرة والمثابرة والتحدي بعد التخرج الجامعي والابتعاد عن الشكليات التراكمية الاجتماعية والتي تسبب آثارا سلبية كالشعور بالنقص وعدم الثقة وكبت الحاجات بما يتعارض مع تحقيق الذات للتفوق والإبداع.
ختاما، قالت بورشك إن على الأهل أن يتذكروا أنه لا يوجد تخصص سهل، وبعد التخرج لا بد من مواجهة متطلبات سوق العمل والتكيف معه، ولا يمكن لشخص محبط أن يتحكم بمستقبله لمجرد اتباع رغبة الأهل، وتجيير سبب فشله على الرغبة بعد فوات الآوان.