لا يخفى على أحد أن عادات السفر، شأنها شأن باقي القطاعات، تغيّرت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بفعل التطورات الهائلة التي يشهدها العالم مع الذكاء الاصطناعي، إلى جانب اتساع رقعة الأمان في كثير من الدول بفضل التكنولوجيا.
ويختلف السفر بشكل واضح من جيل إلى آخر تبعًا للقيم والظروف التي شكّلت كل مرحلة عمرية. فبينما يراه البعض وسيلة للراحة واستعادة الطاقة، يعتبره آخرون فرصة لاكتشاف أماكن جديدة أو مشاركة لحظات مميزة مع العائلة.
ووفقًا لمركز Pew Research Center، الذي يقيس آراء الناس تجاه القضايا الرئيسية والفروقات بين المجموعات السكانية والسياسية، يُعرَّف الجيل بأنه مجموعة من الأشخاص وُلدوا خلال فترة زمنية تتراوح بين 15 و20 عامًا.
ومع مطلع عام 2025 ووصول أول مواليد جيل بيتا (المولودون بين عامي 2025 و2039)، بات من المتوقع أن يتواجد سبعة أجيال مميزة على قيد الحياة في الوقت نفسه، وهو أمر يُعتقد أنه لم يحدث من قبل في التاريخ.
وبسبب هذا التنوع، تتباين عادات السفر بشكل كبير بين الأجيال؛ فبينما يعتمد جيل الآباء (مواليد 1946–1964) على وكلاء السفر لتنظيم رحلاتهم البحرية، يلجأ جيل الشباب (مواليد 1997–2012) إلى منصات مثل تيك توك للحصول على نصائح ومقترحات لخطط سفرهم.
أكدت خبيرة السفر ميليسا كروجر، في تقرير نشره موقع السياحة Afar، أن شغف السياحة والاستكشاف يظل عالميًا، لكن لكل جيل طريقته الخاصة في تخطيط السفر، وتقييم التجارب، وتحديد مفهوم الرفاهية.
هذا الجيل، الذي تجاوز الثمانين من العمر، غالبًا ما يفضّل البقاء في أماكن مألوفة اعتاد عليها. فهم أقل ميلاً للتنقّل بين مدن ودول عديدة، ويميلون إلى الرحلات الخاصة مع مرشدين خبراء لضمان تجربة مريحة وآمنة.
يشكّل الأمان والوفاء للعادات جوهر رحلاتهم، إذ يكرّرون زيارة الوجهات ذاتها مثل منتجع محدّد أو مسار طبيعي للمشي. بالنسبة لهم، السفر ليس مغامرة مجهولة، بل لحظة هادئة تعكس تقديرًا للوقت والذكريات المتراكمة عبر السنين.
جيل الطفرة السكانية، المولود بعد الحرب العالمية الثانية، يمتلك الوقت والقدرة المالية لاستكشاف العالم، ويسعى لتحقيق أحلام طويلة الأمد مثل مشاهدة الشفق القطبي أو القيام بجولات خاصة في أماكن بعيدة.
ويُفضّل هذا الجيل الراحة والرفاهية، أحيانًا بصحبة الأبناء والأحفاد، ما يجعل السفر مناسبة عائلية متعددة الأجيال.
ورغم حرصهم على الخصوصية، فإنهم لا يترددون في الجمع بين أكثر من وجهة خلال الرحلة الواحدة. وبالنسبة لهم، السفر هو مكافأة العمر وتجسيد لرغبة في خوض التجربة المثالية من دون تنازلات.
جيل الأبناء العمليين يتميّز بدقته في التخطيط وحذره في اختيار الرحلات. وبسبب التزامات العمل ورعاية العائلة، يملك هذا الجيل وقتًا محدودًا للإجازات، ما يجعله يسعى لجعل كل رحلة منظمة وسلسة.
غالبًا ما يحجزون في اللحظات الأخيرة، لكنهم يطرحون الكثير من الأسئلة للتأكد من دقة التفاصيل. ويفضّلون الرحلات ذات الطابع الثقافي والأصيل، إذ يختبرون حياة السكان المحليين بعيدًا عن الطابع السياحي المكرر.
ورغم قلة عدد رحلاتهم مقارنة بغيرهم، فإنهم ينفقون بسخاء على الجودة لضمان أقصى استفادة من وقتهم المحدود.
يُعد هذا الجيل أول من نشأ مع الإنترنت والهواتف الذكية، ما جعله يجمع بين التكنولوجيا والخدمات الشخصية في تخطيط رحلاته.
فهو يعتمد على المنصات الرقمية وحتى الذكاء الاصطناعي لحجز السفر، لكنه قد يلجأ أحيانًا إلى مستشارين سياحيين في المناسبات المهمة.
ويُفضّل هذا الجيل السفر الجماعي مثل رحلات الأصدقاء أو الاحتفالات، ويبحث عن تجارب استثنائية خارج المألوف، من الإقامات البيئية إلى رحلات السفاري.
بالنسبة لهم، المغامرة والمرونة هما الأساس، لكن مع الحرص على أن يكون كل شيء معدًا مسبقًا ليستمتعوا بالتجربة من دون قلق.
يرى جيل زد، المولود بعد الألفية، السفر كفرصة للنشاط والمشاركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
رحلاتهم متكررة ومليئة بالمغامرات، من التجارب الطبيعية إلى أنشطة اللياقة البدنية، مع تركيز واضح على الاستدامة. وينجذبون إلى المنتجعات الشاملة التي توفّر الراحة وتنسجم مع روح المكان، مفضّلين الخيارات الصديقة للبيئة.
ويتميّز جيل زد بجرأة السفر منفردًا، مع قابلية للتواصل والانخراط مع مجموعات جديدة خلال الرحلات. وبحكم أنهم أبناء العصر الرقمي، فإن مشاركة اللحظات على المنصات الإلكترونية تُعد جزءًا لا يتجزأ من تجربتهم السياحية، لتصبح الرحلة بالنسبة لهم نشاطًا اجتماعيًا بقدر ما هي شخصي.
يمثّل جيل ألفا، أي أطفال اليوم وقادة سياحة المستقبل، فئة شديدة التأثر بالمحتوى الرقمي مثل مقاطع TikTok وYouTube.
ورغم صغر أعمارهم، فإن لهم دورًا كبيرًا في قرارات الأسرة السياحية، إذ يميلون إلى الشواطئ والمنتزهات الترفيهية، مع شغف بالتجارب التعليمية والإبداعية.
نشأ هذا الجيل في عالم تقني بالكامل، ما يعزز فضولهم ويدفعهم لطلب أنشطة تفاعلية وحسية. ومع نموهم، سيواصلون توجيه السياحة نحو مزيد من الانغماس الثقافي والتعلم العملي، لتتحول الرحلات إلى مساحات للمرح والاكتشاف المشترك مع العائلة.
رغم أنه جيل ناشئ، تشير التوقعات إلى أن جيل بيتا سيجعل من السفر تجربة مستدامة ومرنة، بفضل نشأته في عالم رقمي وواعٍ مناخيًا.
وسيكون الاعتماد على الذكاء الاصطناعي ووسائل التنقّل السريعة أمرًا بديهيًا لديهم، مع تفضيل الرحلات القصيرة والفورية.
ومع ذلك، من المتوقع أن يعتبروا التجارب البطيئة الخالية من التكنولوجيا رفاهية خاصة، في سعيهم لإعادة الاتصال بالناس والطبيعة.
وستظل القيم البيئية والإنسانية حاضرة في اختياراتهم، ما يجعل أسلوب سفرهم أكثر وعيًا وارتباطًا بالمسؤولية تجاه الكوكب والمجتمعات.
اختلاف عادات السفر بين الأجيال يعكس التحولات والتغيرات التي مرّت بها المجتمعات عبر الزمن، والتي شكّلت بدورها الأنماط والتجارب المتنوعة للسفر.
وفي المحصلة، يظل السفر مساحة للتعلّم والمتعة، ومع بروز أجيال جديدة ستواصل العادات تطوّرها لتواكب تحديات واحتياجات المستقبل.