header-banner

عش حياة تخالف المألوف.. على طريقة مانسون

ثقافة
زكية كردي
13 ديسمبر 2023,6:52 م

لا تحاول.. عنوان يتوسط صفحة فارغة تُنبئ بما يليها في الفصل الأول في الكتاب، تلك كانت حكاية "تشارلز بوكوفسكي" الذي لطالما أراد أن يكون كاتبًا، ملاحقًا الناشرين الذين أغرقوه بالرفض لعقود متتالية، إلى أن أَولى أحد المحررين في دار نشر صغيرة اهتمامًا لكتابه وتعاطفًا معه، من هنا تبدأ حكايات "مانسون" في كتابه "فن اللامبالاة" الذي حاز شعبية واسعة بسبب أسلوبه المؤثر والأفكار الواقعية التي يعيد نقاش مفردات حياتنا المعاصرة من خلالها، كما نقرأ هنا.



بدأت حكاية "بوكوفسكي" وهو في الخمسين من عمره، وكُتب له النجاح بعد هذه الانفراجة حيث أنجز روايته الأولى بعنوان "البريد" في غضون 3 أسابيع، تلتها 6 روايات، وحققت أعماله مبيعات لم يكن هو نفسه يتوقعها، وباع أكثر من مليوني نسخة من كُتبه، إلا أنه مع كل هذا، لم يكن يشبه النموذج المكرر الذي يحب أصحاب القصص المكتملة تقديمه عن النجاح، وهذا اللغز نفهمه من العبارة التي كُتبت على قبره "لاتحاول"، فقد أراد أن يعلن أن نجاحه لم يكن من إصراره على الفوز، بل من معرفته أنه كان شخصًا فاشلاً، وقبوله تلك الحقيقة بكل صدق، وكتابته عنها.

من هذه القصة التي افتتح بها "مارك مانسون" كتابه الذي يعد من الكتب الأكثر مبيعًا، نظن أننا نستطيع أن نتوقع ما سيأتي لاحقًا، وأننا نفهم فلسفة الكتاب عمومًا، لكن الأمر لم يكن بهذه البساطة التي يحاول أن يستنبطها القارئ العادي، فالكتاب مازال قادرًا على تقديم عناصر المفاجأة التي لا تتوقعها فصلاً تلو الآخر، ولعلنا نستطيع القول إنه تجربة شخصية جدًا يخوضها القارئ برفقة تلك الخطوات المتتالية متفحصًا أفكاره الثابتة والقوالب الجاهزة للمعتقدات والمفاهيم التي يحتفظ بها، إنه يدفعك حرفيًا لأن تعيد نقاش تلك الثوابت التي تنطوي عليها طريقة تفكرك، يفكك مفهومك البسيط عن السعادة، وعن نفسك، وأهميتك، وكأنه يجرد كل تلك الصور الدعائية للحياة ليجعلنا نرى أن ثقافة العصر بكل مفرداتها المعلبة قد شكلت طبقة سميكة جدًا من اللامنطق على تفكيرنا ووعينا، وعلينا أن نستيقظ لنميز كل ما هو زيف لنتمكن من كشط كل هذا الهراء عن أدمغتنا، ونتمكن، أخيرًا، من التنفس والعيش والتفكير بشكل طبيعي، حيث نستعيد إنسانيتنا بكل عفويتها وروعتها ونواقصها.

"وبعد ذلك ستموت"، إنه الفصل الأخير الذي يستحضر حكاية الصديق جوش، وموته شابًا في مغامرة ليلية ألقى فيها نفسه من أعلى الجرف لتتلقفه الأمواج المظلمة وترفض إعادته، هذا الصديق الذي ظل يرافق وجدان الكاتب بداية حياته، يدفعه ليعيد معاينة خوفه من الحياة، فكما أوضح "في مواجهة حتمية الموت، لا مبرر أبدًا لأن يستسلم المرء أمام خوفه أو حرجه أو شعوره بالخجل لأن الأمر ليس أكثر من قبضة من اللاشيء.

في النهاية لا أجد تعبيرًا أفضل من الذي قاله رايان هوليداي، صاحب كتابين من الكتب الأكثر مبيعًا على قائمة "نيويورك تايمز"، وهي مقولة جاءت في تقديم الكتاب نفسه، تبدو أشبه بخلاصة مركّزة جدًا لما يمكن أن نخرج به من هذه القراءة، حيث كتب: "تأتي المرونة والسعادة والحرية من معرفة ما يجب الاهتمام به، والأهم من هذا أنها تأتي من معرفة ما ينبغي عدم الاهتمام به، إنه كتاب عملي فلسفي متقن يمنح القارئ الحكمة التي تمكنه من فعل ذلك".

google-banner
footer-banner
foochia-logo